كتاب " إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول " ، تأليف نبال خماش ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
أنت هنا
قراءة كتاب إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إمبراطورية الأكاذيب : مصطلحات الخداع الأمريكي بعد أحداث 11/أيلول
الإصلاح العربي
Arab Reform
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية وعلى صفحتها الأولى خبراً ذكرت فيه أن وزير الخارجية الأميركي كولن باول سيعقد في يوم نشر الخبر اجتماعا مغلقا مع خمسين امرأة عربية دُعين إلى واشنطن في إطار برنامج أطلق عليه عنوان الإصلاح العربي أعدته وزارة الخارجية الامريكية، وتشرف على تنفيذه إليزابيث تشيني، ابنة نائب الرئيس وزعيم الصقور الأميركي، ديك تشيني، وكانت هذه هي الدورة الأولى للبرنامج والتي بدأت في منتصف شهر تشرين الأول من عام 2 0 0 2 من خلال استضافة 50 سيدة كما مر آنفا ممثلات عن 21 بلداً عربياً(23)·
جاء انعقاد هذا البرنامج في إطار ما أطلقت عليه الإدارة الامريكية: تعزيز الديمقراطية ومساعدة دول المنطقة العربية من خلال عقد برامج تنموية في مجالات: السياسة، الاقتصاد، الثقافة، التربية··· وقد أعلنت وزارة الخارجية آنذاك بأنها ستواصل وبشكل دوري تنظيم دورات للسياسيين والنقابيين والصحافيين العرب بدوافع مثل: صقل قدراتهم في التعامل مع الآليات الديمقراطية، إعداد الفئات المدربة لتكون نواة بناء في حكومات عربية مستقبلية أكثر فاعلية، و تهيئة أعضاء نشطين في مؤسسات مدنية أكثر تأثيراً، بالإضافة إلى إعداد صحافيين أكثر جرأة وشجاعة لينتج من خلالهم صحافة عربية حرة· غير أن الإعلان الأميركي بالعمل من خلال لقاءات مشتركة ومتكررة مع لجان عربية باتجاه تعزيز الديمقراطية لم يجد طريقه للتنفيذ، لتتحول هذه المسألة إلى أمر موسمي وفق الحاجة الامريكية لإستخدام هذه الورقة في الضغط على الحكومات العربية ·
وبالرغم من الدبلوماسية النشطة التي بذلتها ، ولا زالت الخارجية الأمريكية تبذلها من خلال برنامج الإصلاح العربي أو حملة الأرضية المشتركة أو غيرها من البرامج والحملات الدعائية في سبيل تجميل صورة أميركا أمام العالم، وتحديداً أمام العربي والإسلامي، ورغم المبالغ الضخمة التي أنفقت على هذه البرامج والتي قاربت 0 0 6 مليون دولار حتى شهر تشرين الأول 3 0 0 2 ، إلا أن هذه الجهود قوبلت بالكثير من النقد والاستهانة من قبل المحافظين الجدد الذين حمّلوا الخارجية مسؤولية تصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة لأنها فشلت في تنفيذ سياسة الرئيس بوش الخارجية
بفعالية، وطالب المحافظون الجدد الخارجية الأمريكية عبر مقال نشرته مجلة فورن بوليسي اليمينية إلى القيام بعملية إصلاح حقيقي للوزارة من القاعدة إلى القمة، وتعريضها لصدمة ثقافية، كما دعا ناشر المقال، عضو مجلس السياسة الدفاعية التابع للبنتاغون والصديق الحميم لدونالد رامسفيلد ، نيوت غينغريتش، إلى ضرورة وضع استراتيجية تواصل فعالة تمكن الولايات المتحدة من الدفاع عن قيمها والترويج لها بشكل نشط· وجاءت هذه الحملة التي شنها المحافظون الجدد على الخارجية في سياق الصراع المحتدم الذي شهدته الإدارة الأمريكية بين الخارجية والبنتاغون حول السياسة المتبعة تجاه الشعوب العربية والاسلامية ومدى نجاعة سياسة كسب العقول والقلوب·
إلا أن ما لم يفهمه غينغريتش وغيره من المحافظين الجدد أن القضية ليست متعلقة بفشل الخارجية الأمريكية في رسم استراتيجية فعالة لتحسين وجه الولايات المتحدة وتجميله، وأن القضية في جوهرها لا تتجاوز أن الحملات الدعائية والإعلامية التي تنظمها وتنفق عليها واشنطن من الأموال الطائلة لا تترك أثراً في نفس الإنسان العربي والمسلم بسبب سياسات الإدارة في العراق وموقفها من القضية الفلسطينية·
برنامج الإصلاح العربي يهدف في محصلته النهائية إلى مخاطبة العقول العربية المؤثرة في صياغة السياسات وصناعة وتوجيه الرأي العام لصالح تحسين صورة أمريكا، وتشكيل العقل العربي بمواصفات أميركية لتتمكن السياسة الامريكية في النهاية من التحكم في المؤسسات المدنية الفاعلة أو التي تهدف إلى تفعيلها مستقبلاً وبصورة موازية لآلية التحكم التي مارستها على مؤسسات الحكم وأنظمته في العالمين العربي والإسلامي، وبذلك تسقط مؤسسة الحكم ومؤسسة العمل المدني في كمائن السياسة الامريكية، وتتصارع هاتان المؤسستان في سبيل إرضاء واشنطن·وفيما حققت مؤسسة الحكم العربية وطيلة عقود متتالية مصالح استراتيجية واقتصادية مباشرة للجانب الأميركي، فإن المؤسسات المدنية يتم إعدادها هي أيضاً لتتحول إلى أدوات لصناعة السياسات التي ترغب واشنطن بها، وأن تصبح هذه المؤسسات بالتالي أدوات ضغط احتياطية على الأنظمة الحاكمة التي ترغب واشنطن في ظل الادارة اليمينية الإبقاء عليها وفق آليات معدلة لممارسة الحكم وصولاً إلى إعداد بدائل للأنظمة التي تخطط لإسقاطها لأن فترة صلاحيتها قد انتهت وأصبحت تمثل عبئا سياسياً·
هذا فيما تبدو الغايات والأهداف المرسومة لمشروعالإصلاح العربي ورغم تسليم الجميع وإقرارهم أن الوضع العربي ليس بخير، وأنه بحاجة إلى مشاريع إصلاح حقيقية وعميقة، إلا أن هذه المشاريع لا يمكن أن تلقى نجاحا حقيقيا إذا روج لها من خلال التدخل الأميركي أو من خلال ممارسة ضغوط من الخارج· لأنه بات واضحاً للجميع، خاصة بعد الحرب الامريكية على أفغانستان
والعراق، أن التدخل الأميركي غير معني بإصلاح حقيقي في واقع هذه الدول أو غيرها أو نشر وتعميم الديمقراطية وفق النمط الغربي، لأن من شأن هكذا تغييرات أن تصطدم مباشرة مع الأطماع والمصالح الامريكية والغربية في المنطقة، والتي تمثل المحرك الحقيقي لدعوات إصلاح مشوهة وهشة ومعرضة للانتكاس في أية لحظة، والأهم من ذلك كله، أن الإصلاح الديمقراطي الحقيقي لا يتم ولا تترسخ جذوره إلا من خلال نضال الشعوب وتضحياتها·