أنت هنا

قراءة كتاب أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزء الثالث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزء الثالث

أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزء الثالث

كتاب " أحاديث الثلاثاء - كتابات لمثقفين عراقيين -الجزء الثالث " ، تأليف عطا عبد الوهاب ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

من هو عدو العراق ؟

رفعت عزت الفارسي

لم أضع علامة استفهام أمام العنوان أعلاه لكون الجواب على هذا السؤال لم يعد فيه غموض أو تساؤل··· على الأقل بالنسبة لي·

بعض القراء قد يستغربون أن أحداً يحتاج إلى رفع مثل هذا السؤال··· أليست هي إسرائيل عدو العراق، وآخر قد يقول أليست هي أمريكا، وثالث يرى أن إيران هي أكبر عدو للعراق وهكذا· وقد تكون هذه الأطراف هي فعلاً عدوة للعراق بدرجة أو أخرى، ولكن هل هذا الجواب واف على مثل هذا السؤال·

أكبر خطر على جسد أي إنسان هو ليس ما يهدده من الخارج، بل ما يهدده من داخل جسده، وهو المرض الذي يستشري في أحشائه ليقضي عليه بالتدريج· أليس هذا ما يجري لبلدنا ومجتمعنا؟!··· أليس هم الناس أو بعض الناس من العراقيين الذين يشكلون أكبر مصدر خطر على دولتنا العريقة، التي عرفت عبر التاريخ، حيث كانت عزيزة وشامخة· هل هي كذلك اليوم، ومن هم السبب في أنها لم تعد لا عزيزة ولا شامخة، بل هي في حال يرثى لها، بحيث ينعتها البعض بالرجل المريض

لا شك أنه كلام يؤذي سامعه ويسبب له الغضب ثم الاكتئاب· ولكن، أليس تشخيص المرض هو أول خطوة نحو العلاج، أليست هي مصارحة النفس أنجع السبل لمجابهة الحقيقة مهما كانت مرة، إن كنا نبحث عن الحقيقة، أليس من الأصوب أن نعترف بأننا لسنا الشعب العراقي العظيم، ولا نقترب من هذه الصفة، انظروا من حولكم واحكموا، ابتداء بسلوكيات الفئات التي تشكل المكونات الرئيسية للمجتمع العراقي، وانتهاء بالمقاومة المسلحة والإرهاب السلفي المستضاف، والمليشيات والمافيات وعصابات الجريمة المنظمة·

من هو المسؤول عن انحدار العراق إلى ما انحدر إليه عبر الثلاث سنوات الماضية، من هو المسؤول عن رواج العصابات المسلحة والمليشيات والجيوش الخاصة، الخارجة على القانون، والإداريين الفاسدين الذين تزخر بهم دوائر الدولة، الذين ينهبون الأموال العامة علناً، بحيث أصبح الفساد الإداري قاعدة لا استثناء· يقول وزير الداخلية إن فرق المداهمات الليلية وفرق الموت تتألف من 150.000 عنصر (لا أقل) تملك ألبسة الشرطة والبيكبات الرسمية، والتي تمارس التعذيب والقتل والتصفيات الجسدية، وكل هؤلاء هم خارج سيطرة أجهزة الداخلية، ولا يرى السيد وزير الداخلية أن ذلك إخفاق خطير يوجب تنحيه عن الوزارة وترك مسؤولية التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة إلى من هو أكفأ منه، إن صح أن وزير الداخلية لا يعلم كيف تعمل هذه الأجهزة المسلحة التي تتصرف كعصابة وليس كجهاز أمن·

من هو المسؤول عن تفكيك الدولة العراقية إلى دويلات وأقاليم، وترويج الاستقطاب الطائفي العنصري، وزرع كل تلك الآفات ضمن نصوص الدستور العتيد، الذي سوّق للشعب العراقي في استفتاء 15/10/2005 وصودق عليه بكلمة موافج منقطعة النظير من قبل الشعب العراقي الواعي الصاحي؟!··· ما تضمنته نصوص الدستور أليس هو سبباً لصراع مستقبلي قد يكون مدمراً، حيث احتوت هذه الوثيقة الخرقاء العوجاء على كل نوايا الاستئثار بالأرض والثروة الوطنية، من قبل فئة على حساب فئة أخرى، ذلك عدا إضعاف كيان الدولة العراقية المتعمد، لتمرير المناهج الخفية التي تخدم بعض الفئات ولكنها لا تخدم العراق· ألم تتصرف أغلب مكونات الشعب العراقي الرئيسية بما يدعم القول بأن الشعب العراقي ليس أهلاً للديمقراطية· أثبتت تجربة الثلاث سنوات السابقة بأن هذه الفئات من الشعب العراقي المعول عليها، لم تتصرف بالحرية التي حصلت عليها بعد 9/4/2003 بحصانة وطنية، لذلك نشاهد ما نشاهده اليوم من فوضى واستقطابات خطير، وولائات لا تمت إلى عراق الدولة أو عراق الشعب بصلة· كل من هب ودب من الفئات العاملة في الساحة السياسية العراقية بعد 9/4/2003 رفع رايته فوق راية العراق، ولوّح بقوته المسلحة الخاصة ليفرض نفسه على الساحة السياسية، وليكون هو بالنتيجة أكبر مصدر خطر على الدولة وعلى المجتمع العراقيين·

الفئات العاملة في الساحة السياسية العراقية، من حيث الواقع العملي، تغلب عليها صفة الطابور الخامس المخربة للدولة العراقية، بدلاً من أن تتصف بالوطنية العراقية، وتتبنى مشروعاً وطنياً عراقياً يصون المجتمع العراقي الذي أرهقته مآسي الماضي القريب· كان يمكن أن يتحقق ذلك ابتداء ضمن القانون الأساسي (الدستور) كمؤشر للنية السليمة والنية الوطنية الصادقة، ولكن هذا لم يحصل، مهما كانت الادعاءات والأعذار التي قدمتها تلك الأطراف لتبرير نهجها وسلوكها·

إذا كان لا بد أن نكرر الكلام فسنكرره، تذكيراً للذين نسوا أو يريدون أن ينسوا، تحججاً بالفوضى القائمة في البلد، بأن نظام صدام حسين، عبر ثلاثة عقود ونصف، هو لا شك سبب رئيسي لانحدار المجتمع العراقي والعراق كدولة إلى ما انحدر إليه، فلقد ارتكب ذلك النظام أشنع الجرائم ومنتهى الاستهتار، فصدام حسين اختار أن يتصرف كرئيس عصابة وليس كرئيس دولة (وهذه هي حدود قابليته) وغلّب عقده الشخصية ونرجسيته المستفحلة على كل اعتبار آخر، وتجرده من القيم الأخلاقية جعلته يجر المجتمع العراقي والدولة والحزب إلى منحدر أخلاقه ونشأته المنحرفة· مآسي اليوم لا يجب أن تنسينا أسباب مآسي الماضي القريب·

ليس من الصحيح القول إن حزب البحث كان يحكم العراق بين 1986-2003 (كلا أنا لم أكن بعثياً في يوم من الأيام) بل كانت عصابة يرأسها صدام حسين تنتحل هوية حزب البعث، وكلنا يعلم كيف اعتلى صدام حسين السلطة في 1979، والمجزرة التي ارتكبها ضد رفاقه الحزبيين، كخطوة أولى نحو فرض نفسه طاغية مستبداً على الشعب العراقي· وأن ضعاف النفوس من العراقيين وعشرات الألوف من الانتهازيين (من كل الطوائف بدون استثناء) مكنوا ذلك النظام من الاستفحال والاستغراق في الفساد والجريمة· لو سادت الشرعية الحزبية (داخل حزب البعث) هل كان يمكن تصور قيادة قطرية تتألف من عدي وقصي وبرزان ووطبان وعلي حسن المجيد وطه ياسين رمضان وعزت الدوري وغيرهم من النماذج، الذين ينحصر دورهم داخل هذه القيادة بالتسبيح بعبقرية القائدة الضرورة

يجب أن لا ننسى أيضاً، ونحن بصدد هذا الموضوع، أن ملايين العراقيين تملكهم الرعب والخشية على لقمة العيش واحتمال التشرد، انضموا إلى ذلك النظام الفاسد، من فرط ما فرض على المجتمع من قسوة وإرهاب مصدرها الأول هو شخص صدام حسين، وهو اليوم يتمتع بغطاء محاكمته شرعياً وفق قواعد أصول المحاكمات الجزائية، وهو قطعاً لا يستحق ذلك·

ونعود ونسأل مرة أخرى، من المسؤول عن تفاقم حالة الانحدار (بعد التخلص من صدام حسين وشروره) التي نشهدها اليوم، حيث يسود القبح والجريمة؛ وهي حالة تزايد على جريمة وقبح يوم أمس· يجب عدم التعذر بالوجود الأجنبي (رغم كل أخطائه وإخفاقاته)، فالقبح والجريمة اليوم ناتجان عن فعل العراقيين بشتى فئاتهم· ما كان يمكن لأية جهة أن تنجح في خلق الفوضى والتمزق لو وجدت حصانة وطنية داخلية تتصدى وتتصرف بما يصون الوطن ووحدة الشعب العراقي وسلامته· من الواضح أن الحصانة الوطنية التي نتمنى مختلة إلى حد كبير، ولا تتوفر إلا عند القلة القليلة، وهي للأسف ضعيفة عددياً وعاجزة عن الوقوف أمام السيل الجارف من المغامرين والعابثين وضعاف النفوس، وأصحاب المصالح والمناهج الضيقة من العراقيين··· إن صح أن نسميهم عراقيين·

الحمقى الذين تسببوا ابتداء في غياب الأمن في العراق هم الأمريكان، بأخطائهم وحساباتهم غير الناضجة، اندفعوا بحملة عسكرية نحو العراق نتيجة الهستيريا التي غلبت على عقولهم بعد 11/9/2001، معتمدين على حسابات خيالية غير واقعية، وتؤازر هذه الحملة نظريات المحافظين الجدد الخرقاء، وهي الفئة التي تعمل لمساندة إسرائيل، هذه النظريات التي جرّت الإدارة الأمريكية إلى ارتكاب حماقات ينأى عنها تلاميذ المدارس، وبالأخص منهم عصابة وزارة الدفاع (البنتاغون) بزعامة رمزفلد، ومساندة أقطاب الوزارة وهم اليهود الثلاثة ولفوفتز وفيث وبيرل، وهم من شخصيات المحافظين الجدد، الذين يسيرون عقل جورج بوش المعروف بسطحيته وسهولة انقياده·

ونعود ونقول إن أغلب العابثين بوحدة العراق وأمن الشعب العراقي، هم من العراقيين قبل أن يكونوا من الأجانب، هذا ما يضع علامة استفهام كبيرة على أهلية الشعب العراقي لممارسة الديمقراطية، ووضع أسس منهج سياسي سلمي مستقر؛ ليتمكن من بناء مستقبل الدولة العراقية ويصون الشعب العراقي· ما يجري اليوم من تمزق واستقطاب وقتول وإرهاب طائفي متبادل، وإرهاب سلفي مستورد، وفلول النظام السابق الذين منهجوا تخريب الدولة العراقية ومؤسساتها ومرافقها الخدمية، وقتل أكاديمييها ومهنييها، تأتي على حساب الملايين من الأبرياء العراقيين، وكل ذلك يعطي مصداقية لمن يتهم الشعب العراقي بأنه شعب فوضوي لا يحترم النظام، ولا يستكين إلا للقوة الغاشمة، هكذا كان على مر التاريخ وهذا حاله اليوم، لم يتبدل في القرن الحادي والعشرين، حيث انطلقت شعوب العالم إلى الأمام، وتقهقر الشعب العراقي إلى الفوضى والشقاق والتخلف·

كتبت سلفاً وقلت إن بين الشعب العراقي أقلية على درجة عالية من الوعي والثقافة والشعور بالمسؤولية، تمتلك الصفات القيادية ويمكن أن تكون أمل العراق· ولكن، الشعب العراقي (مرة أخرى) لم يختر هذه النخبة المتنورة في الانتخابات التي جرت مؤخراً، بل اتجه إلى كل ما يمثل الفرقة والتقهقر والتخلف ومنحهم صوته· هذا ما يفسر إلى حد كبير المأساة الناتجة على الأرض، إلى الحد الذي أصبح كثير من العراقيين يرون بلدهم ينتقل من قبح إلى أقبح، ومن مأساة إلى مآس· إنه إحساس مؤلم أن يشعر الإنسان أن لا وطن له، وهذا الشعور اليوم يغلب على كثير من العراقيين، حيث نراهم يتوجهون أفواجاً نحو الحدود (كما في الأمس) يبحثون عن أمن وكرامة لم تعد موجودة في بلدهم·

فيا أهل الوعي والغيرة من أبناء العراق، مع علمي بأنكم أقلية، يجب إبقاء روح التحدي عالية لهذا الوضع المؤسف والشاذ، لإمكان التصدي لمد الشقاق، والتخلف والهمجية التي تعصف بالعراق على يد عراقيين، قبل أن تكون على يد أجانب·

24/4/2006

الصفحات