كتاب " نوافذ على شرفة الروح " ، تأليف د. أحمد عبد الملك ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب نوافذ على شرفة الروح
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نوافذ على شرفة الروح
نافذة 8
ما عُدتُ أُطيقُ هذا المنزل بأَفكاره القديمة وأَهلهِ المُتخلفين وقوانينهِ البائسة القديمة!. يُريدني والدي أَنْ أَكون صورةً عن والدتي التي تَحَكّمَ فيها كيفما شاء!. الطعام في وقته، الكلام في وقته، الزيارات في وقتها، التلفزيون في وقته، بل ومحادثات الهاتف في وقتها.
يُريدنا هذا الوالد أَنْ نكون "روبوتاتٍ" يُحرّكُها كيفما شاءَ ومتى شاء!. ولا يحقُّ لنا أَنْ نُبدي وجهاتِ نظرنا حتى لو تعارضت "قوانينُ" الوالد مع ظروفِ عملنا أو توجُهِ أَفكارنا أَو مدى تطلعاتنا.
بدأتُ (أَقرَفُ) من هذا المنزل، وبودّي لو أَقـضي جُلَّ وقتي خارجه، حتى لا أُشاهدَ والدي ولا أَسمعَ أَياً من انتقاداته وتوبيخاته لنا. بل عَمدتُ إِلى البقاء في العمل لساعات بعد الدوام حتى ينام والدي ولا يراني أَدخلُ المنزل، فلربما "استفزهُ" مكياجي أَو دفتي "المُخَصّرة" المتلألئة.
لقد وصلتُ الثلاثين... وصار لي رأَيٌ وفِكرةٌ عن هذا العالم وسلوكيات أَهله، وصار لي الحقُّ في أَنْ أَقول كلمتي وأُحدّدَ مصيري بنفـسي دون الحاجة إِلى "فَرماناتٍ" وقوانين بائدةٍ ما عادت تُناسب العصر.
الوالد – هداهُ الله – لا يُعجبهُ العجب، ويُفسّرُ كلَ تـصرفاتي بأَنها خارجة على "شرعية" المنزل وتعاليمه... ولكأَنهُ قد وَضعَ "دستوراً" وحيداً في هذا العالم وعلينا الالتزام به.
فخروجي مع صديقاتي إِلى مطعم يَعتبرهُ عيباً!. وسفري في الأَعياد – إِلى بلد مجاور أَو غير مجاور – يعتبرهُ خروجاً على ذاك الدستور وعلى تقاليد الأُسرة وعلى قيم المجتمع... وانكفائي في غرفتي لساعاتٍ يُعتبرهُ ابتعاداً عن التواصل الأُسَري وانفصالاً عن المنزل... ووشوشاتي ونقراتي على الهاتف مُدْعاة لـ "الذنبِ" والتأثيم. إِنَّ تفكيرَهُ يعودُ إِلى عصور ما قبل الانفتاح... وقبل التعليم... وقبل العولمة واستحقاقاتها. وهو يَشعرُ بأَنَّ المرأَةَ دوماً تحتاجُ إِلى رَجُلٍ يحميها... وأَنَّ الرَجُلَ الآخرَ ما هو إلاَ "شيطانٌ" سوف يلتهمُ هذه المرأَة. وهذه نظرة تقليدية ما عادت تصلح لهذا العصر.
لا يشاهد أَبي ماذا يدور في هذا العالم!. وكيف أَنَّ الأَحوال قد تطورت... والعادات والتقاليد البالية ما عادت تصلح لهذا العـصر الذي يؤمن بالحريات والانطلاق وحقِ الجميع في الحياة كيفما يشاؤون!.
أَلمحُ الرفضَ والاستنكارَ في وجه أَبي كلما خرجتُ من غرفتي... أَو هَمَمتُ بالخروج واضعة بعضَ المكياج "الـشرس" على وجهي!. فعلاً لقد كَسرتُ القيد بصراخي ورفضي لمواقف الوالد!
لا أَدري ماذا سيفعلُ عندما أَدخلُ عليه متأَبطة ذراعَ حبيبي، وأقَولُ له: "لقد تزوجت.. بارك لي يا بابا.. وزوجي سيعيشُ معنا في هذا المنزل لأَنه فقير ولا بيت له"؟.