كتاب " ضيوف ثقال الظل " ، تأليف جعفر العقيلي ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب ضيوف ثقال الظل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ضيوف ثقال الظل
«ضيوف» جعفر العقيلي
محمود الريماوي
من تُراهم الـ«ضيوف ثقال الظلّ» الذين يحملون بصفتهم هذه اسمَ باكورة المجاميع القصصية للكاتب الموهوب جعفر العقيلي؟
إنهم حشدٌ من أسماءٍ ذوي أرقام هاتفية، تزدحم بهم مدوّنات الملاحظات لبطل القصة الذي نزح منذ وقت قصير من القرية إلى المدينة، وتؤدّي به شبكة العلاقات المهنية والحياتية، إلى التعرّف إليهم بحكم الضرورة أو المصادفة، أو لحاجةٍ عابرة متبادلة بين البطل وصاحب الرقم، ولكن هذا البطل الشاب لا يتوافر مع ذلك إلا على صداقات حقيقية قليلة، كما أغلب أبناء المدينة وساكنيها، ومع ذلك فإن هذا العدد الهائل من الأسماء بأرقام هواتف أصحابها، «محسوبٌ» عليه كما يُقال في العامية، دون أن يرتبط بهم بعلاقات فعلية. وهو ما يبدو له ليس مجرد مفارقة (مقارنة بحاله في القرية أيام لم يكن يرتبط إلا بمن تنشأ بينه وبينهم صداقات حميمة)، بل إن الأمر يبدو أشبه بمهزلة، وحتى بخدعة. وإذ يستشعر مع نفسه أن الخدعة لا تنطلي عليه، إلا أنه ينوء مع ذلك تحت وطأة هذه الارتباطات الوهمية وفيرة العدد و«قليلة البركة».
وفي وقفته هذه مع ذات نفسه، تلحّ عليه فكرة أن يتخلّص من هذه «المحفوظات» التي لا تعني له شيئاً، ولا تثير أمراً ذا بال في النفس. فيقرّر بعد قليل من التردّد والممانعة أن يجعل منها طُعماً للنيران، ويقذف بها إلى غيبة النسيان، وقد فعل، وإذا بألسنة النار تتصاعد وتتلوّى وتتمرأى فيها صورُ أصحاب الأسماء وأخْيِلَتُهم، متّخذةً -كما توهّم البطلُ- أشكالاً مفزعة أخذت تطارده وتحاصره وتحاول النيل منه. ومَن تصوّر أنهم ضيوفٌ ثقالٌ غير مرغوب بهم وقد تم طردهم، إذ بهم يتمظهرون في مظاهر وتهاويم «شيطانية». فلا فِكاك من هؤلاء. وذلك أمارة على الوشائج الشبحية والمصلحية التي تربط أبناء المدن، والتي لا يملك أحدٌ التفلّت منها.
هذا الإيقاع؛ إيقاع عدم التلاؤم مع المدينة والانفصال النفسي عنها، يتكرّر في قصة أخرى هي «ضجيج»، فالبطل الشاب الذي وفد من القرية إلى المدينة، يحلم بحياة مستقرّة يتحرّر فيها من ضغوط العلاقات التقليدية القروية. وعنوان هذه الحياة أو شرْطها: بيت صغير ومستقل، ينفرد فيه البطل ببدنه ونفسه مع ملائكته وشياطينه، ومع هواياته المحببة. على أنه سرعان ما يكتشف وقوعه ضحيةَ عزلةٍ خانقة، فقد خسر العالم ولم يربح نفسه، وحين يعمد إلى الاستئناس بأصوات تثير لديه الشعور بالحياة وبالتأهُّب للاتصال بالآخرين والتواصل معهم، فإن السلوك الغريب الذي عمد إليه سرعان ما ارتدّ عليه، فالساعات المنبّهة التي وضعها لتُصْدر الرنينَ بنغمات مختلفة وفي أوقات متفاوتة، يطرأ عليها ذات مرّة كابوسُ خللٍ غريب، إذ تنفجر جميعها بالرنين في وقت واحد، ولا يفلح تحت وطأة ذهوله، في إسكات أيٍّ منها، فيهرب من البيت المنذور إما للعزلة الموحشة، أو لضجيج هستيري، وبين هاتين «الشفرتين» تتمرأى له حياةُ المدينة، أو حياته فيها.