قراءة كتاب شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي

كتاب " شهقة اليائسين - الانتحار في العالم العربي " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر) .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 4

وجاء وقت أصبحت فيه النظريّة السائدة بشأن الانتحار أنّه من نتاج الحضارة الحديثة أو بالتحديد من نتاج التقدّم التكنولوجيّ، مع أنّ كثيرًا من الباحثين يعتقد أن الانتحار كان سائدًا بشكل خاصّ في العصور الوسطى، أي في زمن هيمنة الكنيسة على الفكر والمعتقدات ومن ثمّ السلوكيات.

وكما ساد الاختلاف بشأن وجود ظاهرة الانتحار في الأزمنة المختلفة، فإنّ الاختلاف قد ساد بشأن مواقف الديانات والثقافات والمذاهب الفكريّة من الانتحار. ويمكن أن نرصد تسامحـًا واضحـًا لدى الرومان والإغريق مع فكرة الانتحار، إلى أن حرمت المسيحيّة هذا الفعل حتّى جرى وصفه في عام 452 بأنّه من عملِ الشّيطان(8).

الرؤى عن الانتحار تأثرت بآراء وثقافات عن ملامح مستقرّة وحيّة مثل الدين، والشرف، ومعنى الحياة. فالدّيانات الإبراهيميّة تعتبِر الانتحار جريمةً منكرة بسبب اعتقاد دينيّ يخصّ قدسيّة الحياة. وبشكل عامّ، وكما يقول د. عمار بلحسن، فإنه «يبدو الموت في الميتافيزيقا الإسلاميّة حدًّا بين الدنيا والآخرة، ممرًّا وجسرًا بين دار الإقامة ودار البقاء، بين الفناء وأبد الخلود. وبهذا المعنى، هو لحظة وسيطة لانحلال الجسد والتحاق الروح بالرفيق الأعلى وملكوته»(9).

الثابت أن الإسلام حرَّم بعبارات صريحة لا تحتمل التأويل قتل الإنسان لنفسه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ (سورة النساء ـ الآية 29). وفي التعاليم الإسلاميّة زجرٌ وتخويفٌ من خيار الانتحار، وبدلاً من كونه نوعـًا من الراحة والخلاص في خيال المريض، نجد أنّ التّصوّر الدينيّ يجعله مصيرًا مخيفـًا حيثُ يخلد المنتحِر في جهنّم ويتعذّب بالوسيلة التي استعملها في الانتحار. رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عن أَبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أنّه قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَديدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِها في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا».

وهذا التصوُّر وحده يعكس المنظومة الانتحاريّة برمّتها ويُغلق باب خيار الانتحار، وفي الوقت نفسه يفتح باب أمل في رحمة الله والأمل في تفريج الكربات مهما اشتدت، عملًا بقول الله، عزّ وجلّ، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (سورة الزمر ـ الآية 53).

«لا يمكن أن يكون هناك انتحار من دون معرفة الموت»، حسب المعالِج النفسيّ الدكتور عدنان حبّ الله، الذي يشرح لنا أنّ الانسان «منذ بدأ الدخول في الحضارة عبّر عالم اللّغة، أدرك ما يسمّى بصدمة الموت من طريق موت الآخر. جعلت هذه المعرفة فعل الموت محتملاً»(10).

وربّما كان سائدًا لدى الباحثين في ظاهرة الانتحار حتّى وقتٍ قريبٍ نسبيـًّا أنّ الإنسان البدائيّ لم يكن يعرف الانتحار(11). غير أنّ المؤرّخين المحدثين لهذه الظاهرة الإنسانيّة يرون أنّ الانتحار كان جزءًا من التاريخ الإنسانيّ منذ أن بدأ تسجيله(12)، وفي جلّ الجماعات الإنسانيّة ـ على اختلاف حضاراتها، أيـًّا كان ترتيب وجودها الزمنيّ وأنّى كان موقعها الجغرافيّ ـ يوجد أفراد يُقدِمون على الانتحار بصورةٍ ما.

الصفحات