أنت هنا

قراءة كتاب إمرأة الرسالة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إمرأة الرسالة

إمرأة الرسالة

كتاب " إمرأة الرسالة " ، من تأليف رجاء بكرية ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ، نقرأ من المقدمة :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 5

هل تفهم كم كان سيّئا أن تجعل أرقامك كلّها غير مُعنوَنة وعناوينك بلا أمكنة وقلبي بدون نافذة ينطفئ فيها؟

لا يسمع سؤالاتي عنك غير ورق المساء، عندما يأتي من الغرب يبدأ جسدي بالتآكل، لماذا يأتي المساء كلّ ليلة ليرهقني بك, أو ليزوّجني بهواجس فقدت صوابها وهي تكتبك؟ لقد أحببت المساء قبلك، فلماذا أرتعب منه إذن هكذا ألأنّه يأتي هذه الأيّام بدونك؟

كل شيء يمكن الإفصاح عنه، وأنت تقرأه فقط. أنّني مشتاقة، وأنني مرهقة وأنّني أحتاج أن أراك وأنّني..لا أعرف ماذا. أين ذهبت هكذا دون أن تترك بعدك شذرات ضحكة؟ حين تقرأ كلماتي سلّم لي على البحر الّذي يصبّح عليك، وقل له أنّني دائما سأحقد عليه.

لو كنت قادرة على قراءة ما تحسّ به الآن وأنت تطالع تمزّق الأيّام الفائتة بين ساعاتي لامتلأتُ بنفسي. لكن، ماذا يهم بحقّ السماء، ما دمتَ أعلنتَ كل ما سجلتُه في دفتر ملاحظاتي الصغير طوال لحظات لقائي بك دليل امتلاء؟

أحسّ قامته تطول، ومن صدره تخرج شّوارع المدينة مستقيمة كأوّل مرةّ فكّر بنساء تمشي عليها. أطلق نصف ابتسامة، ومجّ نَفَسا طويلا من رأس السيجارة، ثمّ ترك ابتسامة مشاغبة تشرب أنفاس المرأة الّتي تتلوّن أمامه..

"لقد فهمت أنّ رسالتي ستصل لأحد الشوارع الحرّة في المدينة، تُرى، هل كانت الصدفة وحدها من ألقته عليك، أم تطلعاتك لمستقبل أجمل في مدى أشدّ اتّساعا من الكلمة؟ لا أعرف، لكن الحقيقة، حين أملت السيّدة اسم الشارع على قلمي ضحكت. سألتني لماذا أضحك، فقلت أنني أتخيّل أحد أقواس النصر تكلّل مداخل المدينة، وأنّها خالية من المستعمرين، ولا يهدل على قبابها غير الحَمام.

ضحكت هي أيضا، وهمست باستغراب، يخيّل لمن يسمعك أنّك من دولة أخرى. أجبتُها بحزن: كنتُ. قلتها وسكتُّ. تذكرت فجأة كلامك الغاضب عن أمك، وخيل إلي لنفس السبب الّذي يجعلك تتحدث عنها بهذه النقمة الصافية، أنّك الدولة الّتي أحببتُ أن أستوطنها.

هل أقول هذا الكلام لأنّني كرهتك أم لأنّني أردتك؟ لا أعرف، ولا أفهم للآن لماذا توقعتَ منها أن تمرر أصابعها في شعرك وأنت أكبر منها تقريبا صحّة وعقلا. هذا هو الشيء الّذي ربما يجري خلفك ويتعبك. ربّما لا تمتلئ جيّدا بصوت امرأة، رائحتها، عيناها، اسمها، عادات قلبها، غمزات خدّيها، أعمار حكاياها. تمنيت حين قلت ومرّرْتَ شعرك الجميل بين أصابعك أن أمدّ يدي إليه وأُخربطَه من الأمام إلى الخلف، ومن الخلف إلى الأمام، وعلى الجانبين، ثمّ أصفعك بقوّة، لماذا تنتظر منها هذه اللعبة المغرضة؟ كأنك لا تفهم أن الحبيبات هنّ من يتقنّ هذه اللغة. إنّ أصابعهنّ النحيفة وحدها تعرف كيف تربط آخر الشعرة بأولّ الروح. وأنت كنت بحاجة لأصابع تحرّك روحك. ليس لأمك ولا لعمّتك. بل لحبيبة تأتي بها من الموج الّذي يطاردك كلّ صباح. هل فهمت الآن لماذا رفعتُ نظرات صامتة إلى شعرك، وانتظرت أن تضيف شيئا جديدا إلى جملتك؟

رآها الآن بعيون قلبه تحدّق بأزرار أصابعه السّاخنة، متوهّجة الوجنة. سمع وشوشة أناملها تدحرج خرز حنينها إلى حنجرته، وترتعش ..

لقد كتبت نفسي بسرعة قياسية أستغرب لها. توقعت أن تستغرق أيّاما ثلاثة على أقلّ تقدير. لكن يبدو أنّ تماريني المسائية على رصيف الشارع الرئيسي لمدينتي الّتي تُجنّ في الليل هي من ملأني على هذا النحو، ودفعني إلى اعترافاتي الغريبة.

ضحك معها وهي تتراجع.. أهي اعترافات أم مهاجسات؟ وهي بين يديك تذكّر أنّني سجنتها الأيّام الثلاثة الّتي خصصتها لها، وأنّك وأنت تطالعها بهذا الملل أو بهذه اللهفة أتهيّأ للسفر. أرجو بعد هذا الكلام أن أتوقف عن التّداخل في ذاتي."

امرأة الرّسالة،

آب، 1988

الصفحات