أنت هنا

قراءة كتاب إمرأة الرسالة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إمرأة الرسالة

إمرأة الرسالة

كتاب " إمرأة الرسالة " ، من تأليف رجاء بكرية ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ، نقرأ من المقدمة :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 7

-2-

بدأت أحلم بشارعك الحر كأنّه حقيقة لا لبس فيها. على جانبيه الشجر الأخضر، وداخل مساحاته العازلة الجوري والدُّفلى وقامات الزنبق، وربّما ياسمينة هنا وريحانة هناك. لم أفكّر بشارع قميء تربته جافة وشجره يابس، وعصافيره تركت خطوطه البيضاء لعصافير لاجئة.

بعد انتظار طويل حضر سائق الحافلة الّتي استأجرتني كي أوصلها إلى محطّتها الأخيرة.ّسائقها اعترف أنني من أتى به وبها بسبب بريدي الرومانسي. لم يحتل المقاعد الشاغرة غيري، والآن أيضا في طريق العودة سأصحبه معي إلى أحدى المحطّات المغمورة كي نصبح أصدقاء مستقبليين. صعدت الدرجات النظيفة وسلّمت عليه بلطف. شكرني لأنّني انتظرته كلّ هذا الزمن. فطمأنته، كان لديّ مشروع رسالة مرهق نكبني بكلّ شيء في هذا المكان المفزع. بدون سياّرة طياّرة كسيارتي صعب أن تنهي عملك خلال ساعة ولو استغرق دقيقة. هموم شعبك وقلبك تعضّك أمام كلّ واجهة سفّاحة من النوع الّذي أراه هنا. ضحك مندهشا من الكلمات الكبيرة الّتي أتصرف بها بحرية وطلاقة. طمأنته مرّة أخرى، هذا يأتي عادة بسبب هواجس الشوارع الحرّة في دول محتلّة. ابتسم بضيق عند آخر كلمة ففهمت أنّ صداقتنا على وشك أن تلفظ أنفاسها. لا بأس، قوميته ودولته بألف خير، ماذا يريد من قيامتي ومخيّماتي، أتؤذيه مشاعري المهزومة لهذا الحد؟

السماء مكفهرّة. تداخلت في دخانها الأحمر كل الطيور الّتي قررت الانتحار؛ لأنّها لن تجد مأوى إذا هبّت عاصفة من سماء تعيش على مزاج مكتئب. تمنيت حين لمحت الناس يملأون الأرصفة بتمارين الليونة المسائية خاصّتي، أن يسرع قليلا كي لا أضطر لامتصاص وحول الفصول الأربعة بضربة واحدة. يجب ألا أنهمك الساعات الّتي تفصلني عن رياضة المساء بغسل ملابس تحب تعذيبي كلّما اتّسخت. توقفتِ الحافلة أمام مركز البريد القديم القائم إلى جانب محطّة القطار الأرضية فسخرت من تخلفه، وساءلت نفسي كما ساءلتها في السابق، لماذا لا يحسّن هندامه قليلا. لا يبدّل بوابته الحديدية الصدئة مثلا، يجدد ألوان جدرانه المهلهلة، ليته يصعد مرّة واحدة إلى بريدي الرومانسي أعلى الجبل لينتفض على الدولة ورئيس حكومتها. أماّ مغلفي الخمري فقد استراح داخل الطرد الّذي يجمع إرساليات خاصّة جدا للناس المهمين. لكن هل أنت رجل مهم حقا؟ لا أعرف، لكن مما لا شكّ فيه أنّ مغلّفي وإشعاره الرسمي سيمنحك وسام الأهميّة مادمت امرأة، وأنت رجل. فالنساء هنّ من يسبغن الخصوصية على الرجال تماما كما يمنحها الرجال للسيدات. ولسبب ما اعتقدتُ أن جميع المغلفات الّتي لاحظتُ تدنّي قيمة ورقها ولونه تغار من مغلّفك، وتحاول جاهدة أن تعرف وجهته. كنت واثقة أنّه يحفظ سرّه لنفسه، ولن يضعف أمام أيّة بطاقة مورّدة. بقي شكله الجميل يملأ مخيلتي حتّى لفّت الحافلة لفّتها الطويلة في شارع المدينة، وعادت إلى محطتي المتواضعة.

أنجزتُ مشغولياتي وفق برنامجي المدروس بهدوء ومحبّة حتىّ سقط الليل في منامتي وبدأ يستثير دمي ويدفع سكنات قلبي ليهرب ثانية منّى. أهذا هو التورط في العشق. حين تقفز أعضاؤك جميعها معا وأنت هادئ تماما تحلم بالشتاء وعناوين الجرائد الهامشية؟ وتأتي النجوم إليك صاغرة ويجلس القمر مبهورا على كتفك؟ وتبدأ تهذي أو تقول ما لا يفهمه غيرك والغائب الذي لا يظهر بسهولة كي تعترف له بحمقك وشوقك؟ أم أنّه كلّ ذلك داخل التمزق والموت؟

الصفحات