أنت هنا

قراءة كتاب إمرأة الرسالة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إمرأة الرسالة

إمرأة الرسالة

كتاب " إمرأة الرسالة " ، من تأليف رجاء بكرية ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ، نقرأ من المقدمة :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 8

-3-

الثانية والنصف بعد انتصاف اللّيل.

صوت ريتا الجميل يملأ همس البيت بهمس مضاعف. أسند أفكاري إلى طاولة المطبخ. أمزج كأسا من النبيذ الأبيض وأرشف من زجاجه على مهل. أمام القنديل الزيتي الذي أشعلته ساعات الأرق، أرى وجهك حزينا أكثر مما كان أمام المعبد. ترمش عيناك البنيّتان في قاع الكأس الممتلئة وتسأل لماذا أعذّب الكلام، ولا أدع العتمة تذهب إلى فراشها؟ حين أنام يا سيدي، سأترك الكون ينام ما يزيد عن صباحين أو ثلاثة. مددت أصابع باردة إلى خدي الباردة وطلبت برفق أن أغفو كما تعلمت دائما أن أفعل. لكنّها اللّيلة الّتي سيعقبها صباح يصل فيه مغلفي إلى شارعك الحر وقد يأتي صوتك بعده أو لا يأتي. هل سأحتمل عاقبة أشواقي؟ سأغادر المدينة غدا إلى أي جهة غامضة كي أتخلّص من وحدة هذه الأغاني البائسة الّتي يلحّنها قلبي خصوصا. يعلو همس ريتا من جديد:

" ألبس فستانا أبيض/ قرب طاولة المطبخ / أشعل شمعة/ لا تذهب الفكرة/ لكنّها تذهب تذهب، وتصبح ذكرى". أجل ذكرى. لا تلائمني هذه الرومانسية تماما، وثمّة عشّاق حقيقيون تخلبهم أكثر منّي.

أقبَلَ صباح لا يشبه ما جاء قبله. صورة البحر أجمل لوحة لأهازيجه. السماء اغتسلت تماما في ملوحته وصارت أشد بياضا من الثلج. كأن الملح يعيد الأشياء إلى ألوانها الأساس بمجرد أن يصافحوه. لكن لا شيء منك كما توقعت. رسالتي الأولى إلى رجل تاهت في بريد مدينتك، ومؤكد لم تصل إليك. ماذا إذن؟ هل أعترف بإهمالك نهارا وليلا كاملين لمفردات تفزع الحيتان إلى إناثها، ولو كنّ في أعلى جبال؟

كعادتي بدأتُ أخترع تبريرات جائزة لا أساس لها. لعلّ ساعي البريد عندكم لا يوقظ الناس من النوم صباحات الجمعة والسبت. على العموم كان أسوأ سيناريو ليوم لم أتوقع فيه شيئا غير وصول أوراقي متَّسخة بأشواقي الساخنة. سأضع أعصابي في ثلاجة، لا أملك حقا في الاحتجاج ما دمتُ أنا من بدأ هذه الحرب المسلحة على لا شيء. سوف أبدأ بترتيب ملابسي داخل حقيبة السفر الصغيرة. لن أحتاج لملابس كثيرة، فعمّان مزاج سمائها أفضل من سمائنا. أحبّ عمّان، ولا زلت ممتنة للرجل الّذي أحبّني لأنّه انصاع لفكرة البحث عن امرأة تفهم أشواقه أكثر منّي.

تُرى، أكنتُ أعرف أنّني في يوم صيفي قائظ؟ آب لا أحبه، سأقف على رصيف شارع يجمع الماضي بالحاضر. يمد لي رجل يده، يكون أنت، ويهمس بما لم أسمعه من رجل فاتن لهذا الحد "سعيد هذا الصباح بك يا سيّدتي". جميل أن يحضرني الصباح إلى أماكن لم أسجّلها على جبهتي أو في عروق يدي. داخل القبو المعتم أحببت صمتك، كنتَ خرافي الصوت، وأنت تتحدث عن رجل ليس أنت، ثم تعلن في آخر السطر أنّه يشبهك. ترفع سبابتك فوق المنفضة الغارقة بالرماد وتهمس، متى ماتت كل هذه النساء، وتضحك بمقاطع واضحة. فاتنة ضحكتك حين تسقط مكاحلها فوق الطاولة السوداء. وخيّل إلي حين أفرغت ضحكتك الرماد من المنفضة مثل جبل من القتلى، وجلستُ بفرح مكانه،إنّك الرجل الفوضوي الّذي سأتورط به خلال الأيام اللاحقة.

لم أكن امرأة صالحة لرجل يريد فروض حب ثابتة ولا مهاتفات بالدقيقة والساعة، ولا همسات. وكنت رجلا يصلح لكلّ ذلك ولا يصلح لشيء أبدا. فهمت من الحروف الأولى المحفورة أعلى باطن يدك أنّك فتّشت دائما عن علاقة لم تحدث لامرأة. لماذا؟ هذا ما ستقوله أنت. وكانت تلك العلاقة لم تحدد أبعادها، أو مفرداتها.

الصفحات