أنت هنا

قراءة كتاب المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث

كتاب " المأساة والرؤية المأساوية في المسرح العربي الحديث " ، تأليف عبد الواحد ابن ياسر ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

مقدمة

ليست المأساة مجرد صيغة درامية من بين صيغ أخرى، وإنما هي التعبير الأسمى عن الجوهر المأساوي، والنموذج الأصلي الذي لا يمكن إدراك القواعد الشعرية والأسس الفلسفية والجمالية للجنس التراجيدي- وربما الدرامي ككل-، إلا بالاستناد إليه. وقد تحقق ظهور التراجيديا مرتين في تاريخ الثقافة الغربية: الأولى في القرن الخامس قبل الميلاد، مع التراجيديا الإغريقية، والثانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، في إنجلترا أولا، ثم في فرنسا وأسبانيا. وعاشت في المرة الأولى قرنا من الزمن، ولم يتجاوز عمرها في المرة الثانية- مع العصر الإليزابيثي- ستين سنة. أما في فرنسا، فقد تزامن ازدهارها مع ما يسمى في التاريخ الفرنسي بالقرن العظيم.

وفي كل مرة، كان ظهور التراجيديا يتم في لحظة تاريخية تتسم بالقطيعة، أي في تلك اللحظة التي تعجز فيها البنيات الاجتماعية القائمة عن الاستمرار، وتبدأ في التغير والزوال. وهذا ما حدث بالنسبة للنظام الأوليغارشي الأرستقراطي اليوناني القديم، والنظام الإقطاعي في أوروبا في نهاية العصر الوسيط. وبذلك كانت التراجيديا أكثر الفنون تعبيرا عن الوعي الجمعي والفردي في لحظات القطيعة التاريخية[1].

ومن المعلوم أن القطائع التاريخية لا تحدث دون مخاض أليم، دون تجاذب وتنابذ بين القديم والجديد، بين الذي يموت ويضمحل، والذي ينمو ويتطور. ذلك أن الحداثة الناشئة- مثلا- لم تستطع أن تقضي نهائيا على منظومات القيم والمعتقدات التقليدية التي ظلت تعيش زمنا طويلا بعد عصر النهضة. بل إن التغير نفسه لم يكن يدرك إلا من داخل الأنساق والعقليات القديمة، ولم يكن يدرك أبدا كبداية مطلقة أو كنقطة تحول جديدة.

ويمكن القول بأن آثار القطائع التاريخية لا تقتصر على المأساة فحسب، بل تتجاوزها إلى مجمل الصيغ الدرامية، إذ نجد أن فترات ازدهار التعبير الدرامي العظيم- كيفما كانت صيغه- هي لحظات القطيعة بين القديم والجديد، لما يصاحبها من زخم وعدم انتظام في الكيان الاجتماعي. هكذا يكون المسرح- باعتباره ممارسة جمالية تعبر عن تجربة جمعية- جوابا على الاضطراب واللاتوازن الاجتماعيين[2].

كان تاريخ المأساة في الغرب تاريخا دائريا: نشأة واضمحلال، وانبعاث وعودة جديدة، ثم موت أخير. وفي كل مرة كان ظهورها يزامن حركة وارتجاجا في الجسد الاجتماعي، وانقلابا في نظام القيم والأفكار والرموز. وحالما تعود قوى الحياة الجمعية إلى الهدوء وتستتب عوامل التوافق والتساكن، تفقد المأساة بريقها وتوهجها الأول، قبل أن تتوارى ويطويها النسيان.

الصفحات