أنت هنا

قراءة كتاب تقرير إلى غريكو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تقرير إلى غريكو

تقرير إلى غريكو

كتاب " تقرير إلى غريكو " ، تأليف نيكوس كازنتزاكيس ، وترجمة

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 9

- توصل إلى ما تستطيعه يا بني.

كان صوتك حزيناً وقاتماً وكأنه خارج من حنجرة الأرض العميقة.

وصل الصوت إلى أعماق عقلي لكن قلبي لم يهتز. وصرخت بصوت أعلى:

- أعطني أمراً أكثر صعوبة، أكثر كريتية.

ولم أكد أنهي كلامي حتى فلع الهواء لهب مهسهس. وتلاشى السلف العصي ذو الجذور الزعترية المتشابكة عن ناظري. وتبقَّت صرخة على قمة جبل سيناء. صرخة علْوية مترعة بالأمر. وارتعش الهواء: " توصل إلى ما لا تستطيع ".

***

استيقظت مرعوباً، كان النهار قد طلع.نهضت واتجهت إلى الأبواب الفرنسية وخرجت إلى الشرفة ذات العريشة المثقلة بالعناقيد. كان المطر قد توقف الآن. وكانت الحجارة تتلامع وتتضاحك والأوراق على الأشجار مثقلة بالدموع."توصل إلى ما لا تستطيعه".

كان صوتك. ولم يكن في وسع أحد في العالم غيرك أن ينطق بهذا الأمر الرجولي. ألست القائد اليائس، الذي لا يستسلم، لعرقي المكافح؟ ألسنا الجرحى والمتضورين والحمقى والعنيدين الذين خلفنا الضيق والثقة وراءنا من أجل أن نهاجم الحدود، تحت إمرتك، لسحقهم؟

الله هو الوجه الأكثر ألقاً لليأس، والوجه الأكثر ألقاً للأمل. وأنت يا جدي تدفعني إلى ما وراء الأمل واليأس وإلى ما وراء حدود الشيخوخة.

فإلى أين؟ إنني أحدق فيما حولي وأحدق في داخلي.لقد جنت الفضيلة•وكذلك جنت الهندسة والمادة. ويجب أن يعود العقل المانح للقوانين من جديد لتأسيس نظام جديد ووضع قوانين جديدة. يجب أن يتحول العالم إلى هارموني أغنى.

هذا ما تريده. وهذا هو ما تدفعني إليه، وما كنت تدفعني إليه دائماً. وكنت أسمع أمرك ليلاً ونهاراً.لقد كافحت بأقصى ما أستطيع للوصول إلى ما لم أستطعه. وجعلت هذا واجبي. وصار الأمر متوقفاً عليك لكي تخبرني ما إذا كنت قد نجحت أو فشلت. وها أنا اقف منتصباً أمامك وأنتظر!

***

يا سيدي الجنرال. إن المعركة تقترب من نهايتها. وها أنا ذا أعد تقريري. وفيه أين كافحت وكيف. لقد سقطت جريحاً، ووقعت في الحب، ولم أهرب. ورغم أن أسناني كانت تصطك من الخوف، فإنني عصبت جبيني بمنديل أحمر واندفعت مهاجماً.

وقبل أن أنتزع الريش الثمين من روحي الغرابية، ريشة بعد أخرى إلى أن تبقي كتلة صغيرة من الطين مضمخة بالدم والعرق والدموع، سأحكي لك كفاحي - لأخفف عن نفسي. سألقي بالفضيلة والخجل والحقيقة - لأخفف عن نفسي. إن روحي تشبه خلقك "توليدو – طليطلة - في العاصفة" الملفعة بالصواعق الصفراء والغيوم السوداء الكثيفة والمكافحة بيأس في معركة لا تراجع فيها ضد كل من الضوء والظلمة. سترى روحي، وستزنها بين حاجبيك الرمحيين وستحكم. أتذكر القول الكريتي الحزين: "عد إلى حيث فشلت، وغادر من حيث نجحت". فإن فشلت سأعاود الهجوم حتى لو لم تبق إلا ساعة واحدة من العمر. وإن كنت قد نجحت فسأفتح الأرض لكي آتي وأضطجع إلى جانبك. فأصغ، إذن، لتقريري، يا سيدي الجنرال.

أصغ إلى حياتي، فإن كنت قد كافحت معك، وإن كنت قد سقطت جريحاً، ولم أسمح لأحد أن يعرف بآلامي ومعاناتي وإن كنت لم أدر ظهري للعدو: فامنحني بركتك!

الصفحات