أنت هنا

قراءة كتاب البراعة في تأسيس المشاريع الريادية و إدارتها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البراعة في تأسيس المشاريع الريلدية و إدارتها

البراعة في تأسيس المشاريع الريادية و إدارتها

كتاب " البراعة في تأسيس المشاريع الريادية و إدارتها " ، تأليف نورم برودسكي و بو بيرلينغهام ، والذي صدر عن

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدِّمة : وكيف تحصلُ عليها

إنَّ لدى جميعنا مُعلِّمين في إدارة أعمالنا ومشاريعنا، رَغم أنَّنا في كثيرٍ من الأحيان لا ندركُ الأدوارَ التي يقوم بها هؤلاء المعلِّمون. لقد كان مُعلِّمي الأوَّلُ والأفضلُ رَجلَ أعمالٍ كان يمارس مهنتَه وحيدًا في مدينة نيويورك. لقد كان بائعًا متجوِّلًا يوفِّر لزَبائنه ما يَطلبون. كان يزورُ زبائنَه في منازلهم ويعرضُ عليهم الملابسَ والأدواتِ المنزليَّةَ ويُلبِّي رغباتِهم وكلَّ ما يحتاجون إليه. لقد كان أَشبَهَ بمخزنٍ تجاريٍّ مُتنقِّل يُدارُ من قِبَل شخصٍ واحد، وكان يقوم بجميع العمليَّات المألوفة في الأعمال التجاريَّة من المشترَيات إلى المحاسَبة إلى إدارة القروض وتحصيل المستحقَّات. وقد كنتُ أرافقُه أحيانًا في جَولات عمله، وكنتُ أُوجِّه إليه كثيرًا من الأسئلة وكان يحرِصُ على شَرح المنطق من وراء كلِّ ما كان يفعلُه. بهذه الطريقة تعلَّمتُ عددًا من أهمِّ الأفكار العمليَّة التي ما أزالُ أُطبِّقها حتَّى يومنا هذا.

غير أنِّي في ذلك الوقت لم أكُنْ أُدركُ الخبرةَ التي كنتُ أكتَسبُها منه، فقد كان عمري ثماني سنوات فقط. لم يكُنْ هذا البائعُ المتجوِّلُ سوى والدي.

يا لَلسُّخرية! إنَّه لم يَكُن يدورُ في بالي قطُّ أنْ أتَوجَّه إلى عالَم الأعمال والتجارة، فلَم تَكُن عندي أيَّة رغبةٍ في اقتفاء أَثَر والدي في حياتي المهنيَّة. فبَعد تخرُّجي في الجامعة، التَحقْتُ بكُلِّيَّة الحقوق على أمل أَنْ يكون القانونُ هو مجالَ عملي. غير أنَّ الحياةَ مضحكة. فقد وجدتُ نفسي أعودُ إلى حياةِ التجارة والأعمال، وعند ذلك فقط بدأتُ أدركُ كم تعلَّمتُ من والدي.

فمثلًا، كان والدي هو الشخصَ الذي شرَحَ لي أهمِّيَّةَ الاحتفاظِ بهوامشَ رِبْحيَّةٍ عالية. فقد كان يقول: ’’احرصْ دائمًا على إجراء عمليَّات بَيْع جيِّدةٍ بأرباحٍ جيِّدة، واحرصْ أيضًا على انتقاء زبائنِكَ ممَّن يستطيعون الدفع‘‘. ’’لا تستغِلَّ حاجةَ الناس. كنْ عادلًا‘‘. إنَّ هذه دروسٌ رائعةٌ لا تزالُ مزروعةً في ذاكرتي، وقد تعلَّمتُها جميعًا من والدي.

ثُمَّ انظر إلى العبارات التي كان يكرِّرُها لي. فقد كان يقول لي: ’’لا تقلَقْ أكثر من مرَّة‘‘. عندما كان يراني مهمومًا حول أمرٍ متوقَّعٍ كامتحانٍ نهائيٍّ في المدرسة مثلًا، كان يسأل: ’’هل قُمتَ بواجبك؟‘‘، ’’هل أنت مستعدٌّ؟‘‘. وقد كنتُ في العادة كذلك. ’’لا تقلقْ إذًا أكثرَ من مرَّة‘‘، أو بعبارةٍ أخرى لا تُضِعْ وقتَك وطاقتَك في التفكير في مشكلاتٍ قد لا تقعُ أبدًا.

وعندما كنتُ أشكو من عدم القدرة على تحديد مسار حياتي العمليَّة، كان يقول لي: ’’هناك مليون دولارٍ تحت قدمَيك، حاولْ أن تجدَها‘‘. غير أنِّي لم أُدركْ ما كان يقصدُ إلَّا بعد أن صرتُ من رجال الأعمال.

وكذلك عندما كنتُ أتحدَّثُ بأشياءَ كنتُ أودُّ أن أقومَ بها، كان يقول: ’’إذا لم تسْعَ إلى الحصولِ على شيءٍ ما، فإنَّك لن تحصُلَ عليه‘‘، وهذا هو ما كان يَحفزُني لأنْ أطلبَ مصروفًا أكبر. كان يبتسمُ ويقول: ’’محاولةٌ جيِّدة. ولكن ليس بالضَّرورة أن تحصلَ على شيءٍ ما بِمجرَّد سَعيِك إلى الحصول عليه‘‘. وبعد مُضيِّ وقتٍ طويل بدأتُ أفهمُ أنَّه قد أعطاني أوَّلَ دروسي في فنِّ البَيع.

غُرِسَت دروسٌ مثلُ هذه في ذاكرتي في وقتٍ لم أكُنْ أتطلَّع إليها. وقد صارَتْ هذه الدروسُ عاداتٍ ذهنيَّةً قادَتْني إلى القيام بأفعالٍ على نحوٍ تلقائيٍّ دون أن أُدركَ ما كنتُ أفعلُه. مثلًا، ثَمَّة واحدةٌ من أفضل هذه العاداتِ التي اكتسبتُها كانتْ قد نَمَت لديَّ من ملاحظةِ ما كان يقومُ به والدي من تحليلٍ للمشكلات والتحدِّياتِ إلى عناصرها الأساسيَّة. لقد كان يَعتقدُ أَنَّ معظمَ القضايا في الأعمال، وفي الحياة أيضًا، هي قضايا بسيطةٌ أساسًا، حتَّى لو لم تَبْدُ كذلك أوَّلَ الأمر. لقد علَّمني أنَّه من أجل التَّعامُلِ مع مثل هذه القضايا، عليَّ أن أتفحَّصَ العناصرَ الحقيقيَّة، وأن أعرفَ ما يجري فعليًّا. وفوق ذلك، لا تفترضْ أنَّ القضايا الحقيقيَّةَ هي تلك التي تَراها ظاهرةً للعِيان. إنَّ طريقةَ التفكيرِ هذه كانت، ولا تزال، واحدةً من أقوى أدواتِ إدارةِ الأعمال لديَّ عبر السنين.

إنِّي في الواقع أُومنُ بأنَّ مثلَ هذه العاداتِ الذهنيَّةِ هي التي تسمحُ للناس بأنْ يصيروا رياديِّين ناجحين. وأنا نفسي قد مضى على كَوني مُستثمرًا رياديًّا ثلاثةُ عقودٍ حتَّى الآن. وقد أسَّستُ أكثر من ثماني شركاتٍ من بينها مؤسَّسةٌ لخدمات نَقْل البريد لم تلبثْ أن دخلَتْ، وعلى مدى ثلاثِ سنواتٍ متتالية، قائمةَ ’’إنك ٥٠٠‘‘ (Inc. 500)، وهي قائمةٌ تبيِّنُ أسرعَ ٥٠٠ شركةٍ خاصَّةٍ نُموًّا. كما تضمُّ الشركاتُ الثماني التي أسَّستُها شركةً لتَخزين السجلَّات تمكَّنتُ من بَيعها بمبلغ ١١٠ ملايين دولار في عمليَّة استحواذٍ مقابلَ رهنِ أصولها. وعلى مدى خبرتي العمليَّة كنتُ محظوظًا بِلِقاء عددٍ وفير من الرجال والسيِّدات الذين أسَّسوا شركاتٍ جديدةً ولاحظتُ أنَّ الكثيرَ من هؤلاء كانوا يحملون هذه العاداتِ الذهنيَّةَ نفسَها. إنَّ هذه العاداتِ هي سرُّ نجاحنا. (حسنًا، إنَّ من الأمورِ المساعدةِ وجودُ شريكِ حياة مثل زوجتي ’’إيلين‘‘ (Elaine)، وهي في التاسعة والثلاثين من العمر، والتي من دونها ما كنتُ أستطيعُ حتَّى الاقترابَ من مستوى النجاح الذي حقَّقتُه حتَّى الآن).

إنِّي أُدركُ الآن أنَّ كثيرًا من الناس لا يتقَبَّلون هذا النمطَ من التفكيرِ في إدارة المشاريع الجديدة؛ إذ إنَّ معظمَ الأشخاصِ الذين يبدأون مشاريعَهم الجديدةَ يتوقون إلى الحصول على وصفةٍ بخطواتٍ تفصيليَّة، أو مجموعةٍ محدَّدةٍ من التعليمات التي يستطيعون اتِّباعَها لتَحقيق أهدافهم. غير أنَّ المشكلةَ تكمُنُ في عدم وجود شيءٍ من هذا القبيل أبدًا. بل، على العكس من ذلك، هناك نهجُ تفكيرٍ يُمكِّنُ الإنسانَ من التعاملِ مع أوضاع وأحوال مختلفة، ومن انتهازِ فرصٍ عديدة حال تَوافُرها. لكن، وبلا شكّ، فإنَّ مجرَّدَ امتلاك مثل هذه العقليَّة ليس ضمانًا أكيدًا على أنَّك ستَنْجَحُ في كلِّ ما تقوم به، إنَّما هو يحسِّنُ فرصَك إلى حدٍّ بعيد. إنَّك ستَكسِبُ أكثر ممَّا تخسر. وكُلَّما طال صمودُك في الميدان، تحسَّنَتْ فرصُك في الوصول إلى القمَّة.

أنا أعتقدُ أنَّ معظمَ الناس يستطيعون أن يعتادوا طرقَ التفكيرِ التي أتحدَّثُ بشأنها، ويستطيعونَ كذلك استخدامَها للحصولِ على المالِ الكافي للتمتُّع بأسلوبِ الحياةِ الذي يتطلَّعونَ إليه.

ومن الواضح أنَّه لن ينجحَ كلُّ الأشخاصِ بالدرجة نفسها أو بالطريقة ذاتها. في مجال الأعمال، كما في جميع المجالات الأخرى، يتمتَّعُ بعضُ الأفرادِ بمواهبَ حباهُمُ الله إيَّاها تُمكِّنهم من أنْ يكونوا أكثرَ حيلةً من الآخرين. لا يمكنُ أنْ نكونَ جميعًا نُسخًا عن بطل الغولف ’’تايجر وودز‘‘ (Tiger Woods)، أو الرسَّام المشهور ’’پيكاسو‘‘ (Picasso)، أو الشاعر والأديب الإنكليزيّ ’’شكسپير‘‘ (Shakespeare). غير أنَّ أيَّ واحدٍ منَّا يستطيعُ أنْ يتعلَّمَ الغولف أو الرَّسمَ أو كتابةَ الشِّعر، كما أنَّنا نستطيعُ جميعًا أن نتعلَّمَ كيفَ نكتفي ماليًّا أيضًا.

أستطيعُ أن أضيفَ أنَّ هذه وجهةُ نظرٍ خَضعتْ لاختباراتٍ متكرِّرةٍ على مدى ١٧ عامًا- منذ بدأتُ رعايةَ بوبي و هيلين ستون (Bobby & Helen Stone). وهي تجرِبةٌ أستعرضُها في الفصلِ الأوَّلِ من هذا الكتاب. إنَّ عملي مع بوبيوهيلين قد أدَّى إلى نَشرِ مقالٍ في مجلة إنك. (Inc.) للكاتب بو بيرلينغهام (Bo Berlingham)، الذي صار فيما بعد مؤلِّفًا مشاركًا لي عندما بدأنا عَمودَنا ’’ستريت سمارتس‘‘ (Street Smarts)(1)في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر من عام ١٩٩٥م. ومن خلال هذا العمود صرتُ على تواصلٍ مع آلاف الأشخاص الذين كانوا يَوَدُّون بدءَ مشاريعَ خاصَّةٍ بهم، أو كانوا من أصحاب المشاريع القائمة بالفِعل، ولكنَّهم كانوا يخوضونَ صراعًا في مواجهة مشكلةٍ أو أكثر من مشكلة. لقد وصلَني منهم تعليقاتٌ من كلِّ أنحاء الولايات المتَّحدة الأميركيَّة وكندا والمكسيك، وكذلك من دولٍ بعيدةٍ مثلَ كوريا وليتوانيا والبرازيل وسنغافورة وجنوب أفريقيا. وكان منهم مُبرمِجون، ووُسطاءُ تأمين، ومُورِّدو قوى عاملة، وفنَّانون، وفنِّيُّو أحواضِ سباحة، ومُقاوِلو رَصْفِ طرق، ومفصِّلو أثاث، ومصمِّمو مواقعَ على شبكة الإنترنت، وبائعو عُدَدٍ صناعيَّة، وقصَّابون، وخبَّازون، وصانعو شموع. (حسنًا، ربَّما لم يكُنْ بينهم قصَّابون ولكنَّ الآخرين جميعَهم كتبوا لي). وكان من بين مشاريعهم مصانعُ بلاط، ومختبراتُ تصويرٍ تشخيصيٍّ طبِّيَّة، وشركاتُ مستحضرات تجميل، ومصانعُ أدواتِ نفْخٍ للمواقد، ومكاتبُ توظيفٍ، ومحالُّ بيعِ أدواتٍ موسيقيَّة، وشركاتُ استثمار، ومكاتبُ استشاريَّة، ومحالُّ متخصِّصةٌ في تكنولوجيا الإنترنت، وسلاسلُ دورِ سينما، وغيرُ ذلك كثيرٌ من جميع أنواع المهن السائدة.

لقد كنتُ أقرأُ جميعَ رسائلهم الإلكترونيَّة وأرُدُّ على ما أستطيعُ منها. وفي كلِّ عامٍ كنتُ أختارُ عددًا يتراوحُ ما بين ثماني وعشرِ أفرادٍ ممَّن كتبوا إليَّ لرعايتهم وتدريبهم بشكلٍ دائم. وسوف تَلتقون ببعضهم في الصفحات التالية من الكتاب. وقد كانت أهدافُ أولئك تشملُ جميعَ أقسامِ طيفِ الأعمالِ مثلَ إقامةِ أعمالٍ تجاريَّةٍ عملاقة، وافتتاحِ مراكز الرعايةِ النهاريَّة (دُور الحضانة) من أجل تحقيقِ الاستقلال المادِّيِّ وتوفيرِ مزيدٍ من الوقت لقضائه مع الأسرة. إنَّ تعريفَ النجاح يختلفُ من شخصٍ إلى آخر، وما نشتركُ فيه جميعًا هو الرغبةُ في أنْ نكونَ أكثر سعادةً وغنًى، وأنْ تكونَ حياتُنا أكثرَ امتلاءً بالمسرَّات، وأن نُوجِدَ عالمًا أفضل لأطفالنا وحَفَدَتنا. وقد كنتُ أسعى إلى مساعدة هؤلاء الرِّياديِّين في تطوير العادات الذهنيَّة التي تُمكِّنهم من ذلك كلِّه. وإذا ما نظَرْنا إلى ما قد حقَّقَه بعض هؤلاء الأشخاص، فإنَّنا نرى أنَّ جهودي لم تذهب سُدًى، مع التأكيد على عدم التقليل من شأن ما بذلَه هؤلاء الأشخاص من تلقاء أنفسهم. إنَّ بناءَ أعمالهم قد تَمَّ على أيديهم هم، لا على يدي أنا.

غير أنَّ الواجب يقتضي التأكيدَ على أنَّه ليس بالضَّرورة أنْ تحتاجَ إلى مُعلِّمٍ واعٍ مثلي، أو والدٍ مثل والدي لتُشكِّل تلك العادات الذهنيَّةِ اللازمة للتَّعامُل مع الأحوال المستجدَّة. لقد شكَّلتُ كثيرًا من العادات التي اكتسبتُها بالطريقة التقليديَّة من خلال التجرِبة والخطأ، حيث كنتُ أسقطُ أرضًا على وجهي، من ثَمَّ أنهضُ وأستنتجُ العِبَرَ حتَّى لا أُكرِّرَ الخطأ نفسه مرَّةً أخرى. أنْعِمِ النظر في القول الشائع: ’’إنَّ الإنسانَ الذكيَّ يتعلَّم من أخطاء نفسه، أمَّا الحكيمُ فإنَّه يتعلَّم من أخطاء الآخرين‘‘. هذا ما جعَلَني ذكيًّا، وآملُ من خلال هذا الكِتاب أنْ أساعدَكَ على أن تكونَ حكيمًا.

الصفحات