"المرآة والتخييل: مقاربات في المسرح العربي" كتاب للناقد والروائي العراقي عواد علي، صدر عن دار نينوى للنشر والتوزيع، يتألف من فصلين، خصص الأول لقراءات نقدية في عروض مسرحية عربية من الأردن والعراق والجزائر وسوريا ومصر للمخرجين: جواد الأسدي، خالد الطريفي، نبيل
قراءة كتاب المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
المرآة والتخييل- مقاربات في المسرح العربي
الصفحة رقم: 3
إزاء هذا الكابوس الخانق، والقسوة الشديدة، والجو المحتقن يطلق جواد الأسدي العنان لكل ما يعتمل في داخله من غضب وسخط ومرارة وحس تهكمي لتهشيم المواضعات والزيف والحشمة الكاذبة، دافعاً شخصيات المسرحية، بمهارة المخرج الحاذق، إلى الكشف عن المستور، أو المسكوت عنه من نوازع البغضاء والحقد والخبث، والغرائز الشبقية، والغليان، والجموح الايروتيكي، فها هي البنت الصغرى ماجدولينا (التي مثلتها نادين جمعة بحس انفعالي ممزوج بالفجيعة) تتصنع الحرص على سمعة الأسرة، وتكره أختها أديلا وتناصبها عداءً غريباً، وتختلق صراعاً محتدماً معها، وتثور ثائرتها عليها لأنها تمردت على التابو، وخرقت العرف، بل أصبحت "قحبةٌ"، حسب تعبيرها، بممارستها الجنس مع أي عابر سبيل، أو "سرير"، كما تسقط الكلمة سهواً عن لسان أديلا! وتقع في غرام عازف ساكسفون. ولكن ماجدولينا تتضح على حقيقتها في المشاهد اللاحقة حينما تُجن، فتعترف بأنها هي التي قتلت أباها بدسها كمية حبوب كبيرة في فمه، انتقاماً منه لمحاولته اغتصابها ذات يوم، وأنها لاتقل عن اختها امتثالاً لرغبات جسدها، وقرفاً واشمئزازاً من الجو الذي فرضته دكتاتورية الأم، في حين تظهر أديلا (التي مثلتها إيفون هاشم بتركيز شديد على الأداء الجسدي) امراةً قُدّت من شبق وشهوة، فلا تبالي بشيء اسمه العرف والعيب، ولا تفهم معنى كلمة "شرف"، وتتلذذ بالحديث عن مغامراتها الجنسية، ولا تتردد في التغزل بذكورة الحصان، وتخلع ثياب الحداد لترتدي فساتين ملونة تكشف عن مفاتن جسدها، وتستعمل مكياجاً صارخاً، وتحتسي الكحول بشراهة، متحديةً سطوة أمها ونواهيها الصارمة. وتلك الجدة العجوز، المتصابية الخرقاء، التي تذكرنا بعجائز ماركيز، تعيش على فتات الماضي لتعوض عن جفافها، وتهلوس في تعليقاتها، وتسهم بين حين وآخر في فضح سلوك برناردا، وتتعاطف مع أديلا في توقها المحموم إلى اللذة الجنسية، وتطرب لحكايتها مع عشيقها في الاسطبل، ووصفها لذكورة الحصان لأنها تثير غريزتها، وتبعث في نفسها حنيناً إلى أحضان الرجل، وحسرةً على شبابها الضائع، وهي أيضاً جزء من المناخ العام للبيت الآيل للخراب. وقد برع الممثل رفعت طربية، بأدائه المتقن، في تقمص شخصيتها، وتحبيبها إلى المتلقي، وحافظ على وتيرة إيقاعها، وصورتها الملتبسة، الغريبة الأطوار، التائهة بين هويتين: هوية الأنثى وهوية الذكر، طوال العرض.
يزيح جواد الأسدي، في عرضه المبهر هذا، الغطاء عن الكثير من الأسئلة المطمورة، مثلما تزيح النسوة المرتبكات والممزقات ستارة النايلون الشفافة، التي ترمز إلى غشاء البكارة حيناً، وإلى جدار السجن، وحاجز الفصل عن العالم حيناً آخر، ليظهر خلفها أثاث كئيب (بضعة كراسٍ، ومائدة طعام، يوظفها العرض لأغراض أخرى أيضاً،). يزيح