تجمع الكاتبة العراقية الكردية ليلى جراغي في روايتها "الصدأ"، مكوّنات تتيح لها مقاربة مفهوم الهوية المتشظية كمقدمة لإرساء السلام الداخلي ووحدة الذات المتعددة، من خلال سبعة مشاهد تستعرض فيها الشخصيات مخاوفها وأحقادها المتراكمة وكيفية تسلسل استيطانها، عبر خيار
قراءة كتاب الصدأ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
على ماذا يعاقبني ؟
لو كان جريئاً بما فيه الكفاية فليخبرني بأي خطيئة تلك العينين البائستين تتهماني ، ولماذا وحدي المدانة من تلك العينين الجبانتين واللتين بوقاحة عاهرة تديناني وتتهماني وكأنني أنا المسؤولة عن ذلك الشرخ العميق الذي خلفتّه في نفوسنا تلك العقول المسكونة بالتعصب والنفوس المليئة بالرفض ، وهم أقرب الناس إلينا أهله وأهلي ، فهم من رضعوا التعصب من ثدي الجهل وأرادوا توريثه لنا بالتفريق بيننا عندما كنا أنا وهو عاشقين محبين، وكفرنا برب تعصبهم عندما ضقنا ذرعاً بتعنتهم وقررنا نحن الاثنين رغم عنهم الزواج لنقيم بعدها الدنيا ونقعدها بذلك القرار لكوننا من قوميتين ومذهبين مختلفين، وليغلقوا بعدها في وجوهنا قلوبهم وبيوتهم وحاصرونا بكل ما لديهم من عناد وجهل ، إلى أن تمكنوا بقسوتهم شيئاً فشيئاً من تقطيع خيوط المودة بيننا وصرنا لا نعرف ما إذا كنا لا زلنا نحب بعضنا أم تحول إلى حقد وكراهية وبنهاية المطاف فازت كراهيتهم على حبنا عندما تقمصنا أدوارهم وحملنا السياط بدل عنهم وأخذنا نجلد بعضنا بآثامهم التي حملَّونا إياها رغماُ عنا، وسعيد هذا الزوج البائس لا يريد أن يفهم بأنني لست وحدي من استهان بجبروت أعرافهم حينما اتفقنا معاً أن نتحدى بارتباطنا قوانينهم، ولستُ وحدي من أعلنَ العصيان عليهم حينما كنا نتصور بسذاجة عاشقين بأن الحب أقوى من التقاليد، حينما كان حبه لي أقوى من الضغوط التي كانت تمارس عليه من أجل التفريق بيننا ، ومع مرور السنين تلاشى الحب وأستوطن قلبه الندم والشوق لأهله ووطنه وهذا بالفعل ما يبعده بمرور الوقت عني . وكأنه لم يكن لي الأخرى نصيب من ذلك الهم الثقيل .
عربي شيعي يتزوج من كردية سنية ... يا لمصيبة أهالينا الكبرى والمصيبة تتفاقم وتنجب مصائب متلاحقة ، كراهية وأحقاد وفرقة ، ومن يومها وأنا وحدي المدانة بالنسبة له وللجميع، أنا الفتاة المتمردة التي لا تحترم تقاليد أهلها ، أنا النزقة المتهورة الجسورة قليلة الحياء ، أنا وحدي .. وأنا . وأنا... لكنني حاولت أن أُغْرِقْ ذاكرتي عبر السنين بالنسيان ، وبقي وحده هذا الرجل الأحمق سعيد يتذكر ، ويندم ويتذكر ، وتذوي روحه وكذلك أحلامه التي هاجر من أجلها ، ويتقوقع حول نفسه مثل كتله صماء غير قابلة للاستجابة وكأنه بذلك يحاول أن يحمي عالمه الداخلي الهش من الاختراق ، فيتقوقع على فشله وندمه، وليحمَّلني هو الأخر مسؤولية ضعفه وعدم قدرته على تحمل ضغوط الحياة ، ويتناسى حبنا ووعودنا وقسمنا ، مثلما يتناسى مواقف أهله المعادية باستمرار لنا ، وتنكرهم الصريح له بعد ارتباطنا، ويتذكر فقط بأني السبب الوحيد في إغوائه وابتعاده عن أهله ووطنه، إنه لا يحدثني بشيء ولم يوجه لي اتهام صريح بمكنون نفسه إذ لم يحدث قط أن واجهني ، أو حتى لامني ، أو أشعرني من خلال تصرفات معينة بأنه يتهمني ، لكن كان باستطاعتي رصد ذلك الشعور من خلال الحزن الذي أستوطن بالتدريج ملامحه، عينيه اللتين انطفئ وهجهما وحل فيهما السكون والجمود ، فبخبرة السنين التي أمضيتها في معاشرته كان بإمكاني الغوص في أعماق ضعفه وصمته وانكساره ، لأحلل ما كان يدور في رأسه التي كانت تبدو للآخرين وكأنه صندوق مغلق، وبالنسبة لي مجرد فقاعة لا تحوي غير الخواء والندم .