كتاب " العالم رحلة " ، تأليف عبدالله مناع ، والذي صدر عن
قراءة كتاب العالم رحلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كانت ساعات "الندوة" تقترب.. وكان علينا أن ننسق الأدوار في ما بيننا خاصة وأن برنامج الندوة قد أصبح واضحاً بين أيدينا: جلسة افتتاح وثلاث جلسات عمل.
بعد عشاء أقامه السفير على شرف أعضاء البعثة السعودية لـ"الندوة".. تبلورت الأفكار على النحو التالي: أن يتحدث رئيس البعثة وأستاذنا علّامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر للردِّ على كلمة الافتتاح.. وأن يتحدّث الدكتور محمد زيان عمر في الجلسة الأولى.. وأن يترأس الدكتور فايق الصواف الجلسة الثانية والتي سيتحدث فيها الدكتور أحمد الضبيب ثم كاتب هذه السطور.. وفي الجلسة الثالثة يتحدّث الدكتور عبدالرحمن الأنصاري فالأستاذ أياد مدني.. على أن نشارك جميعاً – بحسب الموضوع – في المناقشات التي قد تدور خلال الجلسات أو في ختامها.
ولاح لنا.. أن هذا التنسيق المقترح مقبول منا جميعاً، ولكن شيخنا الحبيب وأستاذنا حمد الجاسر.. فاجأنا برغبته في "الاعتذار" عن كلمته، لنسأله جميعاً عن السبب..؟
فكان قوله الطريف.. بأنه "لا يحسن القول في مثل هذه المناسبات" فلما ألححنا عليه.. اقترح علينا اقتراحاً أكثر طرافة عندما قال: "إذاً اكتبوا.. أنتم الكلمة، وأنا أتلوها".
ضحكنا جميعاً من طرفة شيخنا الحبيب: فمن منا الذي سيكتب كلمة.. يقرأها حمد الجاسر؟ قلنا له ذلك.. ثم واصلنا إلحاحنا فقال: ومن يضمن صمت "اقرأ" عن نقدي إذا أدليت بـ"كلمة" دون المناسبة (يشير الشيخ حمد بهذه اللفتة إلى تعليق مجلة "اقرأ" على مستوى كلمات الحائزين على جائزة الدولة التقديرية.. عندما قالت بأنها دون المستوى)..؟!
ضحكنا لما قاله الشيخ.. وواصلنا ضغطنا عليه ليصدح في جلسة الافتتاح بكلمة ارتجالية ضافية.. قوطعت بالتصفيق أكثر من مرة، لقد كان إلقاؤه جزءاً من بلاغته.. وكان صوته حين يتحدث.. وصمته حين يصمت جزءاً من لوحة الإبداع في كلمته.
أنقرة: طقس بارد
وأحاديث "دافئة"..؟!
كان قرار جمعية الصداقة العربية السعودية - التركية المشتركة بأن تكون لغتا "الندوة" هي: العربية والتركية.. قراراً له إيحاءاته، ولعل أول تلك الإيحاءات وأهمها.. هو أن الشعبين: العربي السعودي والتركي.. ليسا بحاجة إلى لغة "وسيطة" ليتم التفاهم بينهما. ولكن.. كان لهذا القرار – على حكمته – ثمن دفعه بعض المتحدثين في الندوة من الجانبين: التركي والعربي.. على حساب فهم كلماتهم التي ألقوها خلال جلسات الندوة الثلاث.
لقد اعتمدت الندوة تبعاً لذلك على المترجمين الفوريين من العربية إلى تركية والعكس.. وكان طبيعياً أن يتفاوت مستوى الترجمة بتفاوت مستوى المترجمين في سرعة استيعابهم للمعاني وقدراتهم على التعبير عنها، ولذلك فقد وقع المتحدثون في الندوة.. في دائرتين: دائرة أصحاب "الحظوظ".. وهم الذين فازوا بترجمة فورية دقيقة لما قالوه. ودائرة أصحاب "اليخوت".. وهم الذين خسروا بضعف الترجمة نصف ما قالوه على الأقل.
ويبدو أن السيد جعفر ديميريل – مدير عام الأخبار الخارجية بالإذاعة التركية وأحد المشاركين في الندوة من الجانب التركي – قد تنبه مبكراً لما سيكون عليه أمر الترجمة!! فقام بترجمة كلمته إلى العربية.. وطبعها طباعة عربية أنيقة لتوزع على الحاضرين لحظة بدئه إلقاءها، بل وأحضر معه – تحوّطاً – إذاعية في القسم العربي من الإذاعة التركية.. وكأنها من "هذيل" لغة ونحواً وصرفاً.. لتقدم ترجمة فورية لـ"كلمته".
ولقد أشار الأستاذ ديميريل في كلمته إلى أكثر من نقطة مهمة.. استهلها بالإعراب عن رغبة مؤسسة الإذاعة والتليفزيون التركي بتوقيع بروتوكول ثنائي مع إذاعة وتليفزيون المملكة لدعم التعاون الإعلامي بين البلدين وفتح آفاق مشتركة بينهما، ثم انتقل إلى القول.. بأن الإذاعة التركية.. توجّه إلى المملكة ثماني ساعات من إرسال برامجها الموجهة: ساعتان باللغة العربية.. وساعة بالإنجليزية.. وخمس ساعات بالتركية لمواطنيها الأتراك الذين يعملون في المملكة (نحو مائة ألف تركي) بينما ترسل المملكة ساعتين عبر إذاعتها الموجهة بـ "التركية"، ثم انتقل إلى الحديث عن برامج التليفزيون.. التي قال عنها بأنها لا تشهد نشاطاً متقابلاً.. وأنها تقتصر فقط على تبادل البرامج في مناسبات معينة، لينطلق من كل هذا إلى بحث إمكانية تطوير هذه العلاقة.. مع الإعلان من جانبه عن الاستعداد التركي التام لذلك.
ولقد كان من أصحاب "البخوت" في الترجمة – مثل الدكتور عبدالرحمن الأنصاري وكاتب هذه السطور – الكاتب الصحافي المعروف بجريدة "الترجمان" التركية: الأستاذ أرغون كوزه.. الذي لمس وتراً حساساً في كلمته التي ارتجلها عندما روى قصة ذهابه إلى إحدى الدول العربية في مطلع السبعينات بهدف إجراء حديث صحافي مع رئيسها، وقد حدث خلال انتظاره للقاء.. أن اطلع – أو أطلعه أحد آخر – على بعض كتب التاريخ المدرسية ليفاجأ – كما قال – بأن عهد الخلافة العثمانية كان يدرس للطلبة باعتباره عهداً "استعمارياً". فقام بنقل ذلك – مستنكراً – لرئيس تلك الدولة عند لقائه به.. مع إيضاح منه بأن العهد العثماني كان عهد خلافة إسلامية كانت تركيا "أحد" أقطاره إلى جانب أقطار عربية آسيوية وأفريقية أخرى.