أنت هنا
نظرة عامة
لا مراء في أنه من رحم الحضارة العربية الإسلامية تشكلت أصول ومكونات الحضارة الإنسانية الشرقية منها والغربية، وأن أثر حضارتنا العالمية باقٍ متجدد في تاريخها، لا يمكن محوه سواءً في ماضيها، أو في حاضرها، أو حتى في مستقبلها، وآية ذلك أنها في لُحمتها وسُداها، في أُسسها ومنهجها وأهدافها حضارة ربانية، لا تعرف الجمود أو التوقف في زمان أو مكان عن الحراك الحضاري الشمولي، ولا تعرف سقفاً، وهي بالتالي بحر بلا ساحل، جاءت على غير مثال سابق أو لاحق، أرادها الله سراج هدىً، وقمراً منيراً، وشجرة طيبة فروعها، ثمارها حكمة، ومكارم أخلاق، ومنبع فضائل مستديم، لا يجف ماؤه، ولا يسبر غوره، يتدفق عدالة وتسامحاً وخيراً ونفعاً لكل الناس دون تمييز.
وهي على هذا النحو حضارة إنسانية عالمية متجددة، تنشد الحكمة من أي وعاءٍ خرجت، آخذة من هذا المبدأ السامي كل مفيد من نتاج الحضارات السابقة واللاحقة، في جميع حقول الفن والمعرفة، لكنها في الوقت نفسه، وانطلاقاً من هذه الرؤيا، صححت، وعدّلت، وشذّبت، وأضافت على ما أخذته في أضخم عملية تعريب وأسلمة للمعارف الإنسانية، لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل، أو من بعد.
لا غرو في أن أمتنا كانت، وما زالت، وستبقى السادن الأمين الوارث لنتاج الفكر الإنساني الأصيل، ويكفي تطويقاً لعنق أوروبا (الغرب) بأفضال أُمتنا، أن آمالها في النهضة كانت معقودة على الأخذ من نبع الحضارة العربية الإسلامية، المتدفق بالعلوم والآداب وكل صنوف المعارف المتعطشة إليها، التي تعد من أهم العوامل والأسباب التي أخرجت أوربا بخاصة في العصور الوسطى ومستهل الحديثة، من الظلمات إلى النور.
ذلك بما لعبته من دور خلاق في تحرير عقلها من أغلال الجمود والتخلف، من ثم لتوقد مشاعل نهضة شمولية، أضاءت سماء وأرض القارة الأوربية بأكملها، لتخلصها من براثن الجهل والفقر والمرض والفوضى، ومن قيود وأغلال الخرافات والأساطير، الذي ترتب عليه جمود فكري قاسٍ، أنشب مخالبه في جسد القارة الأوربية برمتها، مما شل كل حراك حضاري في مختلف جوانب الحياة فيها، وعلى الصعد كافة.
مشاركات المستخدمين