أنت هنا
معالم وعوالم في بلاغة النص الشعري القديم
الموضوع:
تاريخ النشر:
نظرة عامة
كتاب " معالم وعوالم في بلاغة النص الشعري القديم " ، تأليف د. محمد الأمين المؤدب ، من اصدار مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع ، نقرأ من الكتاب :
لم يكن الشاعر القديم يمتلك من الحرية في فنّ القصيد ما يمتلك الناثر والمتكلم، وإنما كان يمتلك بعضا من هذه الحرية، خاضعا معها لرقابة سلطان الشعر، ومُقَيّدا بقيود مملكة الإبداع، "والمنطق على المتكلم أوسع منه على الشاعر، والشعر يحتاج إلى البناء والعَروض والقوافي، والمتكلم مُطْلَقٌ يتخير الكلام". وربما وُصف الشعراء القدامى بأُمراء الكلام، وفرسان البيان، فجُوّز لهم ما لا يجوز لغيرهم، على حد تعبير الخليل، مراعاة لتلك الحاجة، ورَفْعاً لبعض ذلك الحرج.
إن صناعة الشعر- بهذا المعنى- تقتـضي من الشاعر أن يَشْحَذ قريحته في البَراري -والشعرُ بَرّيٌّ- ويُديمَ النظر فيه: روايةً وإنشادا، وتأملا وتمثّلا، ليَصعَد سُلّمه الطويل، إن هو أراد أن يدخل في جمهرة الشعراء، وَيفضُل مع مُفَضَّليهم، ويُعّدّ في فحولهم. ومن شأن هذا الاقتضاء أن يُحْوجه إلى النسج في إطار "نماذج عليا" عبَّر عنها الدارسون قديما، على نحو ما رأينا عند ابن سلام- وتبعه المحدثون في ذلك- بمصطلح البناء والعروض والقوافي، وَفق أنماط متعددة من "النماذج الصغرى"، أشار النقاد في القديم والحديث إلى جملة منها، وغفلوا عن الكثير.
ولعل مصطلح "النماذج العليا" يبدو أكثر ملاءمة، وأدق تعبيرا في هذا المجال. ذلك أنه يستوعب، إلى جانب البناء والعروض والقوافي، فنونَ الشعر وأبوابه، وسائرَ صنوفه وأغراضه. كما يستوعب المعانيَ المتعلقةَ بهذا الباب أو ذاك، وبهذه "المنازع" من تلك القصيدة أو تلك، في أشكالها المجردة المطروحة في الطريق بتعبير الجاحظ، وفي صورها الشعرية غير المغسولة بتعبير خلَفه الجرجاني.
مشاركات المستخدمين