منذ أن اطلعت للمرة الأولى على هذا الكلام في أوائل السبعينيات من القرن العشرين وهو يؤثر بي تأثيراً عميقاً· وإذ أنظر مجدداً إلى حياتي فإني أرى دائماً أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من كارثة شخصية· إني أفكر كيف أن عالمي الخاص قد اهتز بسبب الانقلاب العراقي الوحشي في عام 1958، وبسبب زجي في أحد سجون حزب البعث؛ وكيف أنني قد عبرت المحيط الأطلسي مرتين من دون أن أحمل معي نقود قليلة لبدء الحياة من جديد؛ وكيف أنني قد عركت حرارة صيف سعودي قائض وذلك للحصول على الدعم اللازم من أجل تأسيس مشروع استثماري جديد في الخليج؛ وهذا مع كافة التحديات والمصاعب لإدارة مؤسسة انفستكورب منذ أن بدأت بالعمل·
مع هذا، وإذ أنظر إلى الخلف، فإني أجدني أشعر بالاستغراب أيضاً تجاه الأمور وكيف تطورت دائماً· إنني بطبيعة الحال لم أربح كل المعارك التي كان عليّ أن أخوض غمارها· ذلك أن شأني كشأن الجميع إذ عانيت بنصيبي من الصعوبات والخذلان· لكنني لم أفقد قط بصيرتي وأملي وتصميمي على النجاح· هذا وحتى حين لم أكن أستطيع رؤية طريقة للتغلب على العوائق فإنه كان من الممكن دائماً - بمحض حسن الطالع أو المبادرة أو مجرد الإصرار- أن أعثر على طريقةٍ ما لتحاشي العوائق والمضي قدماً·
ثمة ثلاث كلمات قد دعمتني على الدوام، المبدأ والعاطفة والتصميم· إن أهمية هذه الكلمات الثلاث كلها قد انغرست بي طوال حياتي، كما أن هذه الصفات كانت في الصميم من رسالتي شخصياً ومهنياً·
فلماذا إذن أكتب هذه الفصول الآن؟
إن الدافع يكمن في رغبتي بأن أعرف المزيد عن آبائي وأجدادي· إن لديّ بالطبع ذكرياتي الخاصة وما قيل لي من الآخرين، ولكني لا أملك شيئاً مكتوباً يكشف عن منظورهم عن كفاح الحياة وانتصاراتها· إن عدم ترك سجل عن ذلك هو بنظري خطأ لا أرغب بتكراره· إني أعرف حقاً أن أمي وأبي وأجدادي كانوا جميعاً من ذوي المبدأ الصلب، (وهذا ما تشربته منذ البداية)، ولكنني أرغب بمعرفة المزيد·
إنني بهذه الروحية قد سعيت إلى تسجيل خبراتي الخاصة حتى يكون لدى أجيال قادمة، إن أرادت، سجلاً شخصياً· إني أرغب بأن يعرفوا كم كنت محظوظاً بأن تتوافر لديّ فرصٌ مثيرة في الحياة· كما أنني أريدهم أن يعرفوا أن قيمي ودوافعي وما الذي أبقاني قوياًَ في أوقات الشدائد· إني أريدهم أن يعرفوا بشكل خاص بأن التمسك بالمبدأ، حتى في أشد الظروف وأقساها، قد فاز في الخـتام·
إني بالطبع لم أمض في طريقي وحيداً· فحياتي كانت وستكون مختلفة -وأكثر جدية- من دون زملائي المخلصين في انفستكورب، ومن دون علاقتي الوثيقة بأشقائي الأربعة، والأهم هو التشجيع والمحبة من زوجتي ندى ومن ابنتيّ رنا وسرّاء، فلهم جميعاً شكري العميق·
(مقدمة المؤلف)
مشاركات المستخدمين