في هذه المجموعة الخصبة بتفاعلات الذكورة والأنوثة، والإرادة والرَّغبة، تحمل ذكريات حرب قضية المرأة أساساً ركيزياً ومحرِّكاً للحدث القصصي، وهي بذلك تتوازى مضمونياً مع تراث هائل تناول تبخيس المرأة في تكسُّرها وتطوُّرها. ولكن ميزة ذكريات هنا أنها تنأى عن أن تكون مسروداتها الشهرزادية ذات وظيفة تسْلَوِيَّة، فهي تربط على نحو مُحكَمٍ بين المفاعيل النَّفسيَّة للحدث والشخصيَّة من جهة، واللغة التعبيرية من جهة أخرى، حتى لتغدو القصة تمريناً على حلِّ الأزمة. ولن أُقدِّمَ هنا تمثيلات لهذه الظاهرة، فالنَّص يحكي عنها صراحة، وأزعم أنها حين تُقرأ مجتمعة في سياقها تُحقِّقُ لذَّة الكشف وتُغذِّي الخيال على نحو أوسع من اجتزائها، وتكشف على نحو أعمق عن القيم المتحكِّمة في الإنسان والجماعة. فقصص ذكريات عصيَّة على الاختزال، فهي تقدِّم الحدث القصصي في وحدة مترابطة في زمانها ومكانها، وفي شبكة علائق مستمرة التدفُّق، وفي كلِّيَّةٍ متعاضدةِ النُّموِّ والصيرورة، فالبطولة في هذه المجموعة هي "بطولة الفكرة"، فكل قصة من قصص ذكريات تعود أهمِّيتها إلى موضوعها الذي تعالجه، والفكرة التي تنشغل بها، غير عابئة بالفوارق الشَّكليَّة من حيث الطولِ أو القِصَرِ، أو الإسهاب والإيجاز، فالفكرة تنمو عبر شخصية أحادية أو ثنائية، ترسمها فتستوفي المواقف والأحوال، وتمنحنا لوناً خاصَّاً تتلون به الشَّخصية بكل دقائقها وتفصيلاتها، وهي في هذا لا تنشغل بتقصّي الملامح الخارجية والشكليَّة للشخصية، بل تغوص بعيداً في مشاعر الشخصيَّة وتقلُّبات مزاجها، وأهوائها النفسيَّة، وخلجات وجدانها وضميرها.
مشاركات المستخدمين