لقد استمريت في الحديث إليه قائلا: "اسمعني – من اليوم عليك أن تخطط لتضع هدفًا لك وهو أن تكون مرشحًا لعضو مجلس المحافظة وليس فقط عضو لمجلس المدينة. ولا تجعل ذلك مجرد أمنية فقط، فلتقم بتقليد أعضاء مجلس المحافظة من الآن في طريقة عملهم لجداول الأعمال وطريقة تحركاتهم اليومية , وعليك ألا تكتفي بالمرور فقط في دائرتك الانتخابية المحدودة، بل عليك أن توسع نطاق تحركاتك لتغطي جميع أطراف المدينة، وأن تلتقي بالناس وأن تزيد عدد مؤيديك حتى ولو فردًا واحدًا، وأن تضاعف من مناسبات حديثك أمام جموع من الناس، واعتبر أن كل يوم يمر عليك هو من أيام الحملة الانتخابية. فيجب عليك أن تضع هدفك ليكون حجمه مائة مرة أكبر من حجم قدراتك، وأن تبذل أقصى ما تستطيع من مجهود".

 

وقبل أن انتهي من كلامي لاحظت أن لمعان عينيه قد زاد عما كان عليه قبل أن أحادثة من الفرحة، وكنت أشعر أنه اكتشف بارقة أمل ما.

 

وكما قلت له فالإنسان لو حدد لنفسه هدفًا صغيرًا فسوف ينتهي تفكيره داخل حيز ضيق ولن يسعى بنشاط. وإذا كان المرء يفكر في العمل جديًا من أجل المواطنين فيجب عليه أن يرصد هدفًا كبيرًا، ولكن في نفس الوقت ألا يهمل صغار الأمور التي قد يظن البعض أنها تافهة وأن يوليها اهتمامه بكل جوارحه وبكل دقة متناهية وأن يبذل من أجلها أيضًا أقصى مجهود، وسيؤدي ذلك به في النهاية إلى تحقيق النجاح.

 

إن الانتخابات تتميز بأن نتائجها تظهر واضحة في فترة قصيرة. فالفترات بين انتخاب وآخر قصيرة ومحدودة، وإذا لم يحرز المرشح انتصارًا خلالها فإنه سيظل يجتر مشاعر الحسرة والذل حتى حلول موعد الانتخابات التالية، وبهذا المعنى فإن دخول الانتخابات وكذلك دخول الامتحان يكون بمثابة دخول ساحة قتال، حيث يستجمع فيها المرء أهدافه مع مبادئه وحركته النشطة ويضع نفسه في تحد مع نفسه. وإن الاندفاع في شجاعة وجسارة وسرعة نـحو الهدف سيكون مصدر الطاقة التي يُخرِج من خلالها المرء قدراته ويظهرها بعشرات أضعاف قدرته الحقيقية.

 

وإن الروح التي يتحلى بها المرء من عدم الخضوع لمشاعر الفشل تنبع من رغبته الخالصة في الاندفاع الكامل بنشاط، لقد انصرف ذلك السياسي الشاب من أمامي وعلامات الانتشاء تبدو على وجهه.

 

وبعد مرور ثلاثة أشهر حدث الآتي: حين ظهر ذلك الشاب أمامي مرة أخرى لم أشعر بوجود ذرة واحدة من علامات ذلك القلق على تعبيرات وجهه. ثم قال لي:

 

"إنني أشعر بتغير كبير، فحينما كنت أضع هدفي الأساسي النجاح في انتخابات محليات المدينة لم أكن أتحدث مع من أكرههم، لكنني بعد أن وضعت هدفاً لي أن أخوض انتخابات محليات المحافظة أصبحت أحنى راسي تحية للجميع حتى من أكرههم، وأحسست بواجب التحدث إليهم , وأنني أعتقد بحتمية إيجاد وسيلة لكسب تأييد ودعم أعضاء الحملات الانتخابية من الشخصيات التي أكرهها. وأثناء قيامي بذلك، ظهر أمام عيناي عالم جديد لم أكن أعرفه من قبل" .

 

وبعد ذلك حقق ذلك العضو الصغير أكبر نجاح بين نظرائه في دائرته وبعد مرور عامين من حصوله على عضوية مجلس محلي المحافظة، صار متحمسًا لترشيح نفسه كعضو في مجلس البرلمان.

 

إن هذه الحكاية تدل على أن المرء لو نشط وتحرك بهمة ونشاط واضعًا هدفه بحجم مائة ضعف من قدرته الفعلية فسوف يستطيع بسهولة تجاوز كل العوائق الصغيرة الموجودة أمام عينيه.