You are here

قراءة كتاب هكذا أتشبه بالشجر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هكذا أتشبه بالشجر

هكذا أتشبه بالشجر

كتاب "هكذا أتشبه بالحجر" للكاتب الجولاني السوري نضال الشوفي؛ يضم قصصُا يستوحيها الكاتب والقاص ما أِشبه بالمراحل ما قبل وبعد، فيقول في مقدمة قصته الأولى التي حملت عنوان الكتاب: "لا أعرف شيئا عن «ماكس أوب»، حيا كان أو ميتا، كاتبا أو شاعرا أو شيئا غير ذلك، كهل

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
يتقاطع ندبي مع رؤى تترى على سجيتها، وتقفز إلى رأسي كلمات شاعر لا أعرف عنه شيئا، سوى أنه شاعر، وأنه كتب ذات مرة:
 
«الإنسان الأخضر يحتاج
 
إلى نوم أخضر
 
في بذرة نظام الله ...»
 
ولعلي كنت أواسي النفس عندما حدثتها عن حلمي الجديد في أن أكون أول إنسان يتحول إلى بذرة، ستكون توأم الغرس الجديد في أرض أعاهد نفسي أن لا تبور.
 
إذن أنا لست محزونا تماما، وإنما تعتملني أيضا مشاعر غضب شديد يستحضر في عقلي التركيز ولو بفكرة صغيرة بحجم بذرة واعدت نفسي أن أكونها، ربما في شتاء آخر.
 
تشغلني الفكرة - الحلم فأجد نفسي فجأة قريبا من البيت، ومتعبا، وراغبا بنوم طويل بغير كوابيس، لكن الكوابيس ترصدني أينما حللت، تبدل ثوبا من عتمة بثوب من نور، وتباغتني في سهادي وفي يقظتي.
 
ثمة جمهرة من الناس داخل البيت وخارجه، ووجوم يلف الحي بكامله. يضطرب قلبي ويكاد يفلت من مكانه حين يتراءى لي طيف أمي، أتسمر في وقفتي فيلاقيني أحد الجيران بقية المسافة التي لم أقو على سيرها. يربت على كتفي ويسترسل بعد عبارات العزاء:
 
يقولون، والله أعلم، إن جرعة زائدة قد أودت بحياته.
 
يااا الله .. يااا الله ..
 
أكررها بلوعة وأنا أشعر بارتخاء فكي واتساع حدقتي عينيّ، وأتمم في سري:
 
إذن كنت دون علم مني، أمضي الليل ساهرا بالقرب من جثة أخي.
 
يحرر وقع المفاجأة قدمي، فأزلف بين الجموع أشق طريقي داخل المنزل. لكن شرطيا يعترض طريقي عند باب غرفتنا، فأقف متفرسا من فتحة الباب في الجسد المسجى وسط الغرفة، وأحادثه دون أن يسمعني أحد:
 
آه من هذه الأقدار يا أخي، لقد بددّت دموعي قبل أن أجيء إليك .
 
ويمضي شهران وكارثتان وحبان تنازعا قلبي. وأنا أهيم بين سرير أمي المتداعية، وباب غرفتي الموصد، وأشعر أن هذا المكان يكاد يخنقني، وأن دهشة الحياة قد فارقتني إلى الأبد. فأحسم أمري، ويستقر قراري أخيرا على الالتحاق بعائلتي خلف الحدود علّ بداياتي هناك لا تتعثر من جديد. أتلبس عتمة الليل وأنطلق إلى المطل الذي كنت أودعه جل أسراري هناك في أعلى الهاوية. أمضي بعض الوقت أصارع الخوف في صدري، وأفكر في المواضع الأكثر إيحاء بالأمان. وبنظرة أخيرة، أتملى الأشجار الذابلة المطروحة أرضا، ثم أنطلق وأعبر عند مسيل تجري فيه مياه الشتاء، أنقل الخطو بحذر فوق الحصى والتراب، أعاهد نفسي ألاّ أنظر للوراء كي لا أضعف. وأتابع سيري ببطء شديد يضغط أنفاسي، لكني أظل متشبثا بهدفي مستكملا سيري وأنا أحدق مستكشفا موطئ أقدامي حتى أشعر بشيء يًضغط تحت إحداها، وأخال صرير المعدن المبحوح يخدش سمعي. فأتسمر في وقفتي أغالب رعبي حتى لا تنم الرجفة عن جسدي. ويمضي الزمن وأنا والعشب والأشجار نميل كما تشاء لنا الريح، لكننا نظل نقاوم الموت واقفين، إنها حالة أخرى لم تخطر ببالي قبل الآن قط، يتحول فيها جسد بشري إلى شجرة ..

Pages