You are here

قراءة كتاب أرجوحة تعلو... وتعلو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أرجوحة تعلو... وتعلو

أرجوحة تعلو... وتعلو

رواية "أرجوحة تعلو... وتعلو "، تبدأ الكاتبة في مقدمتها قائلة: هل الكتابة هي النص ؟هل هي المكتوب منه أو المسكوت عنه؟هل هي الأطر؟ أم أنها الهوامش؟ أم أنها التخوم ؟ أم أنها النصوص السابقة؟ أم أنها النصوص المتقاطعة؟

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
كانت الجدة درية تلبس دائماً (طقم)؛ أي تنورة تحت الركبة مع جاكيت، وتضع غطاء أبيض على رأسها يظهر نصف شعرها (إيشارب)، وهذا هو اللباس الشائع في الطبقة الوسطى في فترة الخمسينات· كانت متوسطة الطول، ولكنها ذات جمال آسرٍ وبشرة بيضاء وعينين عسليتين، مع أن اثنين من أشقائها كانا ذوي عيون خضراء·
 
بعد فك الحصار عن المنطقة، انتقلت الأسرة إلى بيروت وقضت فيها عدة سنوات هرباً من الفرنسيين· وتم ترحيل الأخ الثالث: حسن إلى أمريكا عن طريق البحر، خوفاً عليه، فالفرنسيون يطلبونه بالاسم مع أن عمره آنذاك ستة عشر عاماً، على أن يرجع بعد أن تهدأ الأمور، ولم تكن الجدة درية تعلم أنه الوداع وأنها لن تراه بعد ذلك·
 
علمت روعة فيما بعد أن حسن استقر في بروكلن، وتزوج من سيدة لبنانية، وافتتح مخبزاً هناك ولم يعد إلى دمشق·كم كان يحب الجدة درية ويرسل إليها نقوداً بين حين وآخر· وفي وقت لاحق، تنازل لها عن إرثه في دمشق وهي بدورها تنازلت للوالدة حياة، ابنتها الوحيدة· رجعت درية مع ابنتها إلى دمشق، وانتقل إخوانها للعمل في العراق وافتتحوا لهم محلاً تجارياً لقماش الجوخ الرجّالي في شارع السموأل في بغداد·
 
ظلت الجدة درية رأس العائلة وظل البيت ملكاً لها، مع أنه مسجَّل باسم ابنتها· كانت لطيفة المعشر، خفيفة الظل ولا تحب أن تكون عبئاً على أحد، ولها علاقات اجتماعية واسعة· فهي سيدة دمشقية بامتياز، تفتخر بأثاثها المذهَّب والسجاد العجمي والزجاج الصيني الذي ورثته عن أهلها· ومن راتبها الذي تتقاضاه من أهلها ظلت تساهم في مصروف البيت، وتجتهد في المشاركة في الأعباء والأعمال كافة بقدر ما يسمح لها بصرها وقدرتها الجسمية· وفور خروج الوالد في الصباح تخرج من غرفتها وتجلس مع الوالدة في أثناء عملها، وكذلك وقت الظهيرة وفي المساء· كانت سعيدة بقربها من أحفادها وابنتها الوحيدة في أثناء خروج الوالد من المنزل،  الذي لم يرها غير مرات قليلة حتى وفاتها عام 2691· 
 
عاشت درية مع ابنتها وحدها أول مرة، بعد الرجوع من بيروت· وكانت الوالدة حياة فنانة تحب التطريز وعمل لوحات من البذور الجافة، فكل ما تراه تترجمه إلى أشياء محسوسة· وعندما اشترت الجدة بيتاً في سوق ساروجة في حارة قولي، تعرفت الوالدة حياة على صديقة من أصل فلسطيني تعمل في مشغل لتعُّلم الخياطة- وكان شائعاً أن تفتح سيدة في بيتها مشغلاً للخياطة تشغل فيه البنات وفي الوقت نفسه تعليمهن المهنة- فعرَّفتها على أخيها الذي يعمل معلماً· 
 
سكنت الوالدة حياة في حارة الشالة القريبة من بيت الجدة درية في سوق ساروجه بعد زواجها· وسوق ساروجه ساحة يتفرع منها حارات من الجهات الأربع، وفي الساحة يوجد صيدلية وفرن ولحام وسمَّان (بقالية) ومكتب المختار ومحل قرطاسية·
 
لم يدم زواج الوالدة حياة مدة طويلة فرجعت للسكن مع أمها· وبحسب رواية الوالدة فلم يكن خلاف بينها وبين أبو بثينة، وإنما حدث الخلاف بعد أن جاء أهله من طولكرم· ولم تكن ظروفه المادية وظروفهم تسمح للسكن في مكان آخر، كانت الوالدة حياة تروي القصة بلهجة فيها ندم وأنها لم تصبر على الوضع الجديد، فقد حظيت بتدليل أخوالها لها، واعتادت على نمط معيشة مميَّز في بيروت·

Pages