You are here

قراءة كتاب قبل أن تنام الملكة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قبل أن تنام الملكة

قبل أن تنام الملكة

في رواية "قبل أن تنام الملكة" ترسم الكاتبة الفلسطينية الأصل؛ حزامة حبايب صفحات شائكة وشائقة، مشغولة بالألم، مترنّحة بالخسارة، لامرأة تسعى إلى استنطاق الحبّ ومقاربة الحياة ضمن الحدّ الأدنى من الهزيمة، الشخصية والعامة، واستجلاء المعنى المجرد من "مجاز" الوجود،

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
·· في الرحيل الثاني
 
- الساندويشة! الحقي الساندويشة! احترقتْ ساندويشتك يا جلالتك!
 
لم أكن أحسب أن رحيلكِ للمرة الثانية سيعزّ عليّ كثيراً، أكثر بما لا يُطاق من رحيلك الأول؛ لم أقدِّر أنه سوف يُحزنني كلّ هذا القدر، وأنه سوف يُسقم بدني وسوف يدوس على وجودي غير الواثق بخطوات ثقيلة متراخية، كما سوف يحزّ في روحي أيما حزّ، علماً بأني كنتُ هيأتُ نفسي، الأمّارة بالقسوة والصلابة الظاهرية، لرحيلكِ بأن افتعلتُ معك في الأيام القليلة التي سبقت الرحيل مشاحنات وملاسنات من النوع الذي ينطوي على حدّة متصاعدة من لا شيء، وفظاظة عبثيّة مؤلمة، واستيشاط في الغضب غير مبرر، تكون تقريعاً للذات، ذاتي أنا، وإمعاناً في استنطاق الألم في القلب؛ قلبي الذي شُحن سلفاً بأضعاف قدرته على استيعاب الغياب· كالمألوف، قبل كل رحيل صعب، نفضتُ مخزون غيظي من العالم عليك، صببتُ قهري من ترتيبات الحياة المتعنّتة على ترتيباتكِ التي ترومينها بعيداً عن ترتيباتي· لقد جاهدتُ كي أحبّكِ أقل، لكنني لم أستطع إلا أن أحبكِ أكثر·
 
- بكْرهك·
 
قلتِ لي بصوت وشى بغضب وعينين نفثتاً حنقاً حارقاً·
 
-  بحبِّك·
 
همستُ في صدري، وقد غطيتُ وجهي بكفيّ المرتعشتيْن، كي لا أراك وأنتِ تكرهينني·
 
ثم حين قُلتِ بكْرهك، بكْرهك، بكْرهك، كازةً على أحاسيسك، ضاغطةً على أسنانك (التي حرصتُ على أن أجرّك إلى طبيب الأسنان قبل يومين من رحيلك كي ينظّفها لك من الجير المستقرّ في الجذور، بعدما وبّختك على عدم الاعتناء بها كفاية)، سددتُ أذنيّ كي لا يتناهى إلى سمع روحي القلقة بكْرهك ثلاث مرات متتاليات مشفوعات ومعزّزات بانتفاضة جسمك اليافع، الذي لم يتخلّص بعد من استهتار الطفولة بالقواعد المرعية لنظام أكل البالغين·
 
في رحيلك الأول، بكيتُ بحرقة الغياب غير المجرّب، غير المُعدّ له، المفتوح على احتمالات الشوق غير المُختبرة من قبل· كلّها كم شهر وأرجعلك، قلتِ لي وأنت تماحكين دمعة وقفتْ في طرف عينك· حين تعالتْ شهقاتي، متداخلةً مع نداءات المطار الداخلية للمسافرين كي يلحقوا برحلاتهم، حضنتِني متقمّصةً أمومة فتيّة، مستعيرةً ذراعيّ الضاغطتين، مغدقةً على جسدي، الذي استنزفته أسابيع من التحضير لسفرك، جسدك الملول الذي استعجل التملّص من عناقي، قائلة بابتسامة فيها شيء من الاستهجان لبكائي الذي سبّب لك حرجاً وسط خلائق المطار الذين راعهم مشهد الوداع الدراميّ المؤثّر: أنا رايحة أدرس، مش رايحة أحارب! ثم حين تحرّرتِ مني بصعوبة ودلفتِ عبر بوابة ختم الجوازات، ناولتِني من بعيد تلك الالتفاتة، وتلك النظرة التي قصمتْ روحي أياماً· كنتِ خائفة، خائفة عن جدّ، لكن كبرياء الطفلة الهاجع في كيانك اللطيف سرّاً، الثائر علانيةً، حال بينك وبين أن تقوليها: أنا خايفة·

Pages