You are here

قراءة كتاب بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

"بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء" مجموعة قصصية للكاتب العراقي نزار عبد الستار، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ ينحو فيها إلى أسلوب مجازي لا يخلو من فانتازيا تميل إلى الواقعية المباشرة.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
لم يكن بالإمكان ثني الهولندي عن الاختلاطات العاطفية التي كان يعانيها· حاولت أن أسرق منه ذكرى مضيئة تعينني على اختصار التيه الذي أنا فيه إلاّ أن تحليلاتي المستخلصة من كلامه عن نردين كانت تشبه محاولة عد اطلاقات رشاش امريكي· أخذته إلى الشوارع الخلفية لعله يعطيني إشارة اهتمام ببيت، أو ببقعة اسفلت، أو بشجرة· كان يبدو غائبا عن العالم، وقد أتلفت نردين احساسه بالارض·
 
كانت عقلانيتنا لا تظهر إلا في الزيارات المفروضة التي نقوم بها يوميا لتفقد التوليب، فصحّة الزهرات تتطلب منا دقة ملاحظة، وقوة وعي للتأكد من سلامة النمو، وصلاحية البيئة· كان الهولندي يتأملها لوقت ثقيل مقرباً وجهَه منها إلى حد فقدان الحذر، فينسى نفسه، ويداعب بياضَها بظاهر سبابته في لمسة تنكمش لها يده خجلاً·
 
قلت له مرة، وأنا أركع بجواره كي يكون رأسي بمستوى وعاء التوليب الذي على حافة النافذة الواطئة:
 
- لا تقلق بشأن البرودة·· التوليب ينتظرُ نردين ايضاً، ولن تتفتح الزهرات إلا بين يديها·
 
نظر الي وكأنه يوشك على البكاء، ثم جمعني بين ذراعيه قائلا:
 
- كنت أعلم أنك ستعرف هذا·
 
أرجعته، وأنا امسك به من كتفيه، حتى استقام ظهره من جديد· أوحيت اليه أن لحظة هابطة من علياء الغيب تمر بنا الآن، وسألته:
 
- أين التقيت نردين أول مرة؟·
 
أجابني، وهو مشرّد الروح:
 
- لستُ الوحيد الذي لا يعرف· كل البشر لا يتذكرون اللحظة التي خرجوا بها من بطون أمهاتهم·
 
لم يغيّر بنطلون الكتان البيج، والقميص الازرق الفاتح، ومع هذا فقد كان دائم التعبير عن نبله الثري بأن يدفع لي نفقاتي، ويوصيني بعدم لمس الالف دولار التي في جيبي· حتى أنه كان يفرّ بي من مراقبة حراسه الأمنيين مطبقا اساليب عصابة آل كابوني في التخلص من شرطة الخمور السريين كي تهون عليّ سفالتي· قلت له إنني استطيع ان افكك في الليل جسر الصرافية الحديدي قطعة قطعة من فوق دجلة، وأعيد تركيبه صباحا على نهر الكارون دون ان يشعر بي أحد، ولكنني أجد أن العثور على نردين، وإهداءها ثلاث زهرات من توليب أبيض هو أحلى من السطو على البنك المركزي·
 
بينما نحن في الليل، على الشرفة، نرتجف من البرد، وننظر باحترام إلى تمثال عبد المحسن السعدون الاخضر حكى لي بأن نردين تعتقد أن أنفها غير جميل· أرادني ان أتخيل هذا الجنون· كان متألماً لأنها تعتقد ذلك، وأخذ نفساً عميقاً، فتعبأ بالحزن حتى ظننته سيرتفعُ من على الشرفة، وتأخذه الريح معها· استغرب من أنها تدهن نفسَها بكل ما تطرحه لوريال، وايف روشيه من مستحضرات تجميل، وتأسّف لأنها لا تصدقه· شرح لي علاقة نردين بفكرة الإنسان الخارق، وقال بأنّ وجودها يعني السعي لارضائها، وهذا يتطلب منه ألاّ يكذب أبداً، وأن يكون قوياً، وشريفاً، ومفعماً بالقدرة على قهر المستحيل، وهكذا فإن العاشق قد لا يصل بحبه إلى السعادة، ولكنه حتماً ينال درجة النقاء الكبرى· وقال لي إنها حين تبللُ شعرها، وتبتسم بفمها الاحمر، مضيقة عينيها كقطة، فان لا سوء يبقى في العالم·
 
وعندما طلع الفجر علينا، وتوقّف عن الشرب، وصار يرى ساحة النصر على حقيقتها، قال بانزعاج:
 
- هذا ليس عبد المحسن السعدون الذي نحته الايطالي اوسكار ثانونينكا!·

Pages