قراءة كتاب بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء

"بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء" مجموعة قصصية للكاتب العراقي نزار عبد الستار، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ ينحو فيها إلى أسلوب مجازي لا يخلو من فانتازيا تميل إلى الواقعية المباشرة.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
بياتريس الوحيدة
 
 
 
أوشكت بياتريس أن تكمل يومها الاول الثقيل متعالية على حزن أن تكون زوجة رجل مهاجر، حين طرق أرشاك بابها، في العاشرة مساء، وتلعثم في الاصرار على جعل ابنتها ميري تتذوق قرصا من بيتزا ماركَريتا، مع تشكيلة مقبلات لشخصين· فعل ذلك ببرود جباة مديرية الماء، وانسحب دون أن يرد على دهشتها، أو أن يتمنى لها الخير في الصباح القادم·
 
قبل أن يهاجر زوجها إلى السويد، لم يكن أرشاك آرتين سوى جار أرمني هزيل في الخامسة والأربعين، فاقد الأهمية، وغير قادر على الفات العواطف· ويوم وصل زوجها إلى أستوكهولم، نال أرشاك مكانة أن يكون المسؤول الأول عن كافتريا استحدثت في الطابق السابع، من بناية الشيراتون في بغداد، حيث مكاتب وكالة أنباء يبدو على إسرافها الطموح· لم يطلب منه أحدٌ فعل ذلك، لكنه اندفع لتحقيق التماسك الارمني العميق دون أي اشتباه بإعجابه الغامض بها، فكان يأتيها بالخبز الحار صباحاً، ويرشدها إلى ما يمكن أن يكون اختياراً صائبا لوجبة الغداء·
 
تمنت بياتريس، بشفقة متأخرة، ألا يقع جارها الأعزب أرشاك آرتين، صريع اختلاقات مهلكة· لم يكن من المجدي العمل على ارجاعه إلى وضعه كنزيل مشارك بالسكن في عمارة قصر البنفسج، فقد قال لها وهو يحمل بيديه سلال الطماطم، والبصل، والبطاطا:
 
- سيدة بياتريس·· لم يبق في بغداد من الأرمن سوى انا وانت وابنتك ميري· علينا ان نأكل جيدا كي لا ننقرض·
 
كانت واثقة من أنه يكذب الا أن كلماته أرعبتها وجعلتها تتغلب على حرج أن تتلقى اطعمة، وخدمات بلا حسابات تضبطها بنفسها· كانت تبقيه عند الباب، وهو مزين باغلفة ورقية حمر لخدمة الأكلات السريعة إلى أن تسيح رائحة المايونيز والكجب لتدخل قبله إلى الشقة، بينما وعيه لا يلتقط حيرة بياتريس مما يحدث· لم يردعه الصليب الذي يتأرجح على سفحي ثدييها وهي تعتذر - بعدها بيومين - عن قبول عشائه· كانت قد عانت رعب أنها امرأة وحيدة، وأن سكان العمارة قد لا يعرفون أن بغداد بعد مذبحة كنيسة النجاة لم يبق فيها سوى ثلاثة من الارمن· استمر في وقوفه الإنساني كرجل يؤدي واجباً مصيرياً، وقال بلا أدنى استعداد للهزيمة:
 
- معي موساكا يونانية، وسيزر سلاد دايت·
 
حين اقتنعت بياتريس، تماما، بأنه رجلٌ يريد أن يبقى أدنى من توقعاتها، كان أرشاك قد قضى على كل ما يزعجها· أفنى صباحات أسبوع حار في إبادة صراصير مطبخها، وجعل دخان القلي يغير مساره، ولا يتسلل إلى صالة الاستقبال، وأعاد إليها تفاؤلها بإمكانية جعل كل شيء في طاعة أصابعها· أدهشها كثيرا في انتقاءاته الطازجة، وحكمة مشترياته، وتفصيلاته الدقيقة بشأن الانفاق الانسب للنقود· تمكّن من أن يكون مثلها تماما في سلوكه مع معلمات ميري مواصلا إدهاشها بمبادراته التي تنظف قلبها من الهموم· كان لا يحكي عن شيء فعله، ولا يعلمها بما سيهبها إياه غدا· تجده في اليوم التالي قد حقق ما فكرت به في المساء· سريع مثل أحداث القدر، وخفيف مثل الملائكة· وجهه الطافح بصفرة عليلة لا تفارقه تعابير النادل الملتزم ببذخ الرقي، وكانت تستدرجه بشأن جذور هجرة عائلته لتطمئن إلى أن ما يفعله معها يعود إلى القلب الارمني الكبير الواحد، ولكنه يشتتها، وهو يرد دون أن ينظر في عينيها انه قدم من مطعم سيربريانيز الواقع في الشارع الخامس في مانهاتن غرب برودواي·
 
ضبط ارشاك حسابات مصروفها البيتي الا إنها بقيت متوترة امام عدم استطاعتها منحه اي شيء· اظهر لها حرصه على ان يعيد إليها نقودا غير مرممة باللواصق، وكان يسجل لها كل صغيرة وكبيرة في دفتر ملاحظات، ويستخرج مقارنات الاسعار نهائية كل اسبوع، وتراه يفحص حبات البامياء، والفاصولياء، ويجري اختبارات على الباذنجان، ويعطيها تقديرات مضبوطة بشأن ظروف التخزين وتوقيتاته·
 
لم يكن يتصرف بعينيه كما يفعل الرجال، وماعدا اصطدامات عفوية عابرة فان ارشاك لم تكن لديه اشعاعات مؤثرة، ولم يظهر عليه اي تبدل· كل ما في الامر أنه يزداد اصراراً، وهي تتفاعل في الخضوع بشأن الطعام، وبعض التعليقات غير المهمة· كان دائماً ما يواجهها بانطباعات قديمة، فيذكرها بانها قليلة الاختلاط، ومتمسكة بصديقة تعيش في السليمانية، وأن هذا يضعف القلب الارمني، ويؤدي الى التهاب الحنجرة· ولكي يتمكن من النظر الى وجهها اطول مدة ممكنة، يقول لها إن عيب الارمن في عيونهم لأن بصرهم يضعف سريعا، لذلك هم يحبون فن الفوتوغراف·
 
مر شهر دون أن ينتابها الندم على شيء ما، كما أنه لم يغير عاداته، فقد كان يظهر ميلا إلى التوسل بغياب تام للجرأة، او الشجاعة، وكل ما كان يفعله لابد من إذنها اولا· كان عليها في البداية أن تكون كتومة، ولكن ارشاك كان يحتاط اكثر منها لمسألة الا يظهر امام باب شقتها في التوقيت الخطأ· ميري التي تبلغ التاسعة من العمر احبته سريعا، وكانت تنتظر لمسته الخاطفة لزر الجرس· يكون وقتها قد بدا متعباً، وشعره القنفذي قد مشطه الغبار، ولون وجهه ازداد صفرة· يقول لهما باعياء:
 
- معي كباب تركي بالباذنجان·

Pages