You are here

قراءة كتاب السماء شاغرة فوق اورشليم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السماء شاغرة فوق اورشليم

السماء شاغرة فوق اورشليم

"السماءُ شاغرةٌ فوق أورشليم" عمل روائي للشاعر والروائي سليم بركات، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كثيرةٌ هي صفحات الحروب التي تنام في بطون التاريخ، ومتنوعة هي الأعمال الروائية التي تناولت هذه الصفحات بشتى أصنافها وأهميتها وماتركته من آثار ودروس وعِ

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
لايحوج العربيَّ كثيرٌ كي يكون فقيهاً· قلبُك أعجمي، ياعمروس· يلزم الله أن يردِّد على قلبك آيتَه الواحدةَ مراراً· لذا تطيلُ الصلاةَ، قال عبد الجليل· وضع طاسته جانباً· تمدَّد على لِبْدِه الخشن المستطيل وهو يغطي وجهه بعمامته المحلولة تهيُّوءاً للقيلولة· غمغم من تحت قماشها الأبيض، فتماوج القماشُ من أنفاسه، وحركة شفتيه:
 
ـ وضوؤك أسرع من صلاتي· لا تغسل إلاَّ يديك ووجهك· إبريقك فارغٌ، أبداً، إلاَّ من حفنة ماءٍ·
 
سألْتني، ياعبد الجليل، لماذا أحمل خنجرين، تكلَّم مدحت، مجيباً ـ بعد تأخُّرٍ ـ عن تساؤل الرجل المتقنِّع بعمامته·
 
بقي عبد الجليل صامتاً· انحدرَ، على سُلَّم رطب، إلى حديقة قيلولته السفلية·
 
أدَّى الآخرون، بجمعهم، صلاةَ الظهر، كلٌّ فوق لبوده· لكنهم تبلبلوا قبل أن ينهوها· دخل طغرل، أمير السرية، إلى خيمتهم بغتةً· همهم معتذراً عن مقاطعتهم في نجوى قلوبهم، تلك، مرفوعةً من قيظ الظهيرة الأرضية إلى مساكب أنهار الفردوس، ذوات الشلالات الزمرد، والأسماك المسْك· أنهى الجمعُ صلاته بخواتيم فوضى في الركعات، وفوضى في إنجاز التسليم على خلائق اليمين الخفيَّة، وخلائق اليسار الخفية· نهضوا: تفضَّلْ، يا جناب الأمير، ردَّدوا الكلمات، كلٌّ بدوره، يستضيف أمير السَّرية ورفيقه ليجلس على لِبْده·
 
حسر طغرل، ابن السادسة والخمسين، المتوسط القامة، بين أجفانه باضطرارٍ من بصره الكليل، الذي تشتت قليلاً من ظُلَّة الخيمة: تخيَّرتُكم سنداً لجيش الملك الناصر استدار إلى شخص قصير، ممتلئ، ذي عمامة خضراء كبيرة: وصَلَنا جنابُ آمر البريد بنفْسِه لا سُعاتُه، أخوكم كُوْتِيْن، قال، فتقلقلت أبصارُ الرهط الاثني عشر، بعد نهوض عبد الجليل من خندق قيلولته، بآمر البريد الذائع الصِّيت في المعاقل، بين حمص وصحراء مصر، بسُعاته يطوون الأرضَ لفائفَ تحت آباطهم كطيِّها في خيال حمام الزاجل· تكلَّم كوتين كُوْرْ جِهاد، سليلُ آباء من طشقند: ستكونون الظهيرةَ العونَ للملك الناصر في قلعة فوله· خصَّكم جنابُ صديقي طغرل بالحظوة نظر إلى طغرل جانبيًّا: أنتم لا تَخْذلون ـ قال لي  
 
تسع سرايا توزَّعتِ الأصقاعَ، من نواحي دمشق شمالاً حتى مشارف الرمال جنوباً، إلى الشرق من صحراء التيه· لم تكن سرايا جيش عادية، هذه التي وطَّد لجمعها الملكُ العادل أحمد، أخو صلاح الدين، متفاوتة العدد من خمسمائة وخمسين راجلاً وفارساً إلى ألف ومائة: خليطٌ من مقاتِلة محترفين، ونصفِ أغرارٍ، جمعتهم، كلهم، الثقةُ توصيةً من قادة الثكنات، والمعسكرات، والحاميات، مشفوعةً بالتقدير للجسارةِ فيهم صفةً، لا غيرها· كان المُنتدبون من الملك العادل، يجوبون أنحاء الأقاليم فيعودون بهؤلاء فرادى، أو مجموعات صغيرة، إلى أمراء جيشه، في حلب، أو في مصر، فينتخبونهم للسرايا الاحتياط المتنقلة، التي أوجبها الملك العادل نظاماً خارج تصنيف السرايا، بمهماتٍ وفق الضرورة دعماً للفِرَق والفيالق، فتُستدعى بتمام مجموعها التحاقاً بجبهة هنا، أو هناك، أو ببعض أرْهَاطها مذ قُسِّمَت كلُّ سرية عُشاريَّاتٍ وحدةً، بِمُعْتَمَدٍ محنَّك في المقاتِلةِ هو الحادي صَرْفاً في الأرقام بعد العشرة، يُدعى بتحبُّبٍ، أحياناً، جنابَ الزيادة وقد رسا اللقب، في إحدى عُشاريات سَرية طغرل داوود مراد، البالغة خمسمائة وخمسين نفراً، على توران موسى شير·
 
إحدى وعشرون عُشارية ستلتحق بجند الملك الناصر صلاح، من سريَّتنا· أنتم منهم، قال طغرل، سليلُ الجدود من سنجار، وهو يدفع الهواء بأصابعه العشر مرتين، أمام صدره، ثم يُبقي إصبعاً واحدة مرفوعة، ويطبق الأخرى: إحدى وعشرون لقد أكمل لهم العدَّ غيرَ ناقصٍ، تاركاً أثراً من راحَتَيْ يديه على الطين الرطب في اللامرئي· خيال الملك العادل، أحمد بن أيوب، كان مرفَّهاً، بتقدير العلماء الخمسة، الذين يصحبونه بعلومٍ من مشاغل الفَلَك، والطبِّ، والفِراسة، والتفسير، وتقدير طبائع الأرض تراباً، وحجراً، بما يوافقها من طبائع الجند الرَّجَّالة والخيَّالة، ـ بإشراق الأرقام يسير بها من خواصِّ المُعْضِل في عشورها، وكسورها، إلى خواصِّ المُتَّضح بحساب الجموع الصغيرة ضرْباً، وقَسْمةً، وطرْحاً، وجمعاً· مفرد الرقم هو المُرفَّه، في خيال الملك العادل· المفرد الوازن· حظيرة المزدوج الصحيح وبابُها· الله الأول المفرد· آدم الأول المفرد· الشيطان الأول المفرد· الحياةُ مفردةً، والموت مُفرداً، والسماء مفردةً، وكذا الأرض· المفرد رهانُ الرقم الصحيح على حريته؛ الرقم الجامع؛ تاريخ الأزل مختَصَراً، بزلَّةٍ من لسان الوقت، في فم الإنسان· سأقسِّم السرايا عُشاريَّاتٍ لا حفظ لها إلاَّ في خزْنة الواحد ـ الأحد عشر· المفردُ شكلُ كل ِّ شيء، قال الملك العادل·
 
خرج طغرل، ووكيل البريد، من خيمة الرهط الاثني عشر، فلحق به تُوران، معتمدُ العُشارية: يا جناب طغرل· متى موعدنا للرحيل؟
 
سننتظر قليلاً· سننتظر أن يبدأ الجراد هجرةَ العودة، ردَّ الرجل، الذي به عَرَجٌ خفيف من ضربة سيف على رَضفة ساقه اليسرى· ينحسر الجراد فينحسر القيظ، أضاف بصوته الهامس، مضيِّقاً بين أجفانه في استعراض العراء الواسع مزدحماً بالخيام المستطيلة من شعر الماعز نَسْجاً أسود، وأبيض رماديًّا، وبُنِّيًّا· توجه صوب السُّرادق الكبير، وسط حلقات الخيام، المُتَّخذ إسطبلاً واسعاً، مليئاً بعوارضَ جذوعٍ لربط الجياد، ومذاود علف، وأحواض للسَّقي حُفرت، طولاً، في الأرض، وبُطِّنت بالجلود فلا يرشح منها الماءُ· انضمَّ إليهما من الحلقات الدئرية للخيام أنفارٌ بأسقية يحملونها، وبأباريق غسلا من بُلْبلَيْ اثنين منهما، أيديهما، وبلَّلا وجهيهما، والرقبتين يبتردانِ·

Pages