You are here

قراءة كتاب كما نحب ونشتهي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كما نحب ونشتهي

كما نحب ونشتهي

يمنحنا الكاتب العراقي عبد الأمير الركابي في روايته الأولى الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2005، "كما نحب ونشتهي" أول مفتاح لقراءة الرواية في التصدير القصير الذي يسبق النص والذي يقول فيه: "على فرض أن الناس سيكونون بأجساد متعددة وذاكرات كثيرة س

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
-1-
 
يوم آخر سيمر عليه وهو يلعب تلك اللعبة مع الأشياء، محاولا الإمساك بها فيضيعها· أمضى بعض الوقت يتطلع من النافذة إلى أرض الدار، فيما كان يضع وجهه بين يديه، وجبينه يكاد يلامس الأسياخ الحديدية، وجسده مائل إلى الأمام بينما كان يجلس على طرف سريره· ولم تمض سوى دقائق حتى بدأ يستمع لوقع ذلك الشيء القابع في داخله، كأنما قد أيقظه سكون المربعات الحجرية الرطبة والقديمة متساوية الأحجام والساكنة في محلها إلى الأبد· كان الحوض الصغير الذي يتوسطها قد جف تماما وبدأت أحجاره الصغيرة المتراصة تتفطر، وفسيلة النخل لم تكبر منذ أن غُرست في الزاوية على مبعدة مترين من الجدار·· هنا، في تلك المساحة المعتقة، تراءى له فجأة سر اطمئنانه، وقدرته غير المفهومة على مقاومة التقلبات والهموم الطارئة·
 
لكن تلك لم تكن سوى لحظة عابرة· ففي مكان ما من أعماقه تذكّر أن هذا السر لا يخصه وحده، وعاودته مرارة شعوره بأنه مستباح·· ثمة من يعرفه ويتلاعب به، أملا في إسعاده أو حمايته بالوهم، فكاد يشك كالعادة حتى بصدفة نهوضه من النوم، وجلوسه في موضعه ذاك، وقراره البقاء في مكانه ينظر من النافذة إلى أرضية الدار، بينما هو ينحدر ناسيا دون أن يدري، أحلامَ الليل المتقطعة المكربة، كلما حاول أن يتذكرها ويقلب تفاصيلها··
 
نهض بعد أن دهمته موجة من الرضا المعطر برائحة السكون، وذهب من توه ليرى البساتين والشمس· غير أنه ما إن خرج من الغرفة وسار خطوتين، حتى تذكر أن عليه أن يقوم بغسل وجهه وترتيب شعره الذي مر موعد حلاقته منذ أكثر من أسبوعين دون أن يطول كما هي العادة·
 
همس وهو يغمض عينيه كأنه يطرد ألما طارئا:
 
- حتى في هذا··
 
كان يطارد نسيانا مصنوعا، ولا يكفّ عن القيام بكل ما يخطر له، لعله يفاجئ عدوه ويفلح في امتلاك لحظة من أيامه الطويلة، وقد استدار قبل أن يقطع بقية ساحة الدار، ليدخل الحمّام المعتم، وقبل أن يعثر على الطاسة النحاسية، ويضعها في الحوض ليغرف منه، انتبه إلى احتمال أن لا تكون غرفة الشمس والبساتين كافية لإطفاء حيرته المشتعلة هذا الصباح·

Pages