قراءة كتاب يمامة الرسام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يمامة الرسام

يمامة الرسام

  "يمامة الرسام" مجموعة قصصية للكاتب العراقي علي عبد الأمير صالح، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2010؛ نقرأ منها:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
كانت تنتابنا نوبات سعال شديد، تحتقن وجوهنا ، تحمر عيوننا، وتضيق أنفاسنا·· يقترب أحدنا من دلو القشع، يجثو على ركبتيه، يمسك بكتفيه اثنان من زملائه·· نعم·· هكذا·· أبصق·· أبصق أكثر·· لا تبقِ شيئاً في صدرك·
 
يبدو أن حياتنا في ذلك السجن الرهيب لم تكن سوى نوبات فظيعة متلاحقة، ما أن تنتهي نوبة حتى تبدأ نوبة أخرى·· بدأنا حياتنا هناك بنوبة الرسم على الحيطان، ثم أعقبتها حفلات موسيقى الجاز أو كونشيرتو الآلام، وتلتها نوبة آلام المفاصل، وتوالت بعدها نوبة قلع الأسنان، نوبة الشطرنج، ومن ثم نوبة الجرب، وجاءت أخيراً نوبة السعال الدموي·· غالباً ما كانت تتداخل النوبات، فتجد البعض يعاني من مرضين في آن واحد·· أو يرسم على الحيطان على الرغم من الحكة الشديدة التي سببها له الجرب·
 
لم نكن ندري ماذا ينتظرنا من نوبات·· لا أدري أية نوبات فظيعة خبرها زملائي بعدما فررتُ من السجن فجر يوم من أيام الصيف·
 
في ذلك الشتاء، شتاء السعال الدموي، قررنا أنا وصديق طفولتي الرسام السريالي أن نهرب معاً·· ورحنا نعد العدة ونرسم خطتنا بشكل مدروس· بدأنا نمازح الحراس ونتبادل معهم الأحاديث، نأخذ دلوي البراز والبول إلى الخارج، (على فكرة في الشتاء أصبح عندنا دلو ثالث للقشع)·· نتبادل معهم أحاديث قصيرةً كي نكسب ثقتهم·· ما الذي جال في خواطر الحراس حين كنا نحمل تلك الدلاء القذرة، الكريهة، المثيرة للغثيان·· حتماً، قالوا في سرائرهم: كيف يمكن لهذه العظام الناحلة أن ترسم أو تنحت أو تتخيل منظراً بعد مغادرتها السجن·· كيف يمكنهم أن يعيشوا هنا في هذه الحجرات الخانقة بعدما عاشوا في أجمل مدن الدنيا·
 
وفي فجر ذلك اليوم، قبيل موعد رمي الفضلات، طلبنا من الحارسين أن يسمحا لنا برمي الفضلات، لأن الدلوين يكادان يطفحان·· خرجنا أنا وصديق طفولتي السريالي ونفذنا خطتنا ببراعة فائقة·· دلقت دلو البراز فوق رأس الحارس الأول، بل أدخلت الدلو في رأسه، وجردته من سلاحه ومثلي فعل صديقي·· دخلنا سرداباً سرياً، دخلنا حذرين، مخافة أن يكون أحد هناك·· كانت تلك مغامرة، لا ريب، ويالها من مغامرة·· قررنا أن نغامر بحياتينا من أجل الحرية·· ألا تستحق الحرية ذلك فعلاً؟
 
وبعد معرفتنا أن السرداب خال من أي فرد، رحنا نسلك طريق الهرب·· خرجنا من باب خلفي للسجن·· توقعنا أسوأ الاحتمالات·· لكن الجميع كانوا نياماً على ما يبدو، وشاءت الأقدار أن يحالفنا الحظ، هذه المرة·

Pages