رواية "توبة وسليّ" المؤسسة العربية للدراسات والنشر - 2003 للكاتبة السعودية مها محمد الفيصل، تزخر في الحكايات الاسطورية التي تزخر بها الرواية، وتحويل النباتات الى شخصيات روائية، وتعدد الرواة، وتناسل الحكايات بعضها من بعض، وتداخل البنى الفنية، والاستشهاد وبال
You are here
قراءة كتاب توبة وسلي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
لم يجبني مراد فصرت أصرخ: ترميني مثل صيد نتن ولا تبالي ! هنا قال مراد: أويسأل مراد عن سُليَّى؟ قلت:
لم لا؟ و يسأل رب العزة عن جنة عدن؟ أردف مراد: أوما تعلم بأنني رجل غيور؟ قلت: بل مجنون! ثم تركته و هو أبغض إنسان إلى قلبي ·
جلست في حجرتي لا أخرج منها ، إلى أن أتت ليلة قد استحال علي النوم فيها ففكرت أن أخرج إلى ظهر السفينة، لأتمتع بهواء الليل العليل، لم أقابل مرادا وحمدت ربي لذلك فقد مُلِئَتْ نفسي ضغنا عليه، جلست أنظر إلى الأفق وقد لمعت الأمواج كصفحة من حديد يتنفس من تحتها البحر، فيرفع السفينة تارة، ثم يخفضها تارة أخرى، في إيقاع ساحر أخذني، فلم أشعر بأن مرادا كان جالسا بجواري· عندما التفت نحوه ورأيته، عبست في وجهه، و نهضت تاركا له· أمسك مراد بيدي وأقعدني عنوة· كان مرادٌ رَجُلاً جسيماً، ثم سأل في غير هزل: ما الذي أغضبك مني؟ قلت: سبحان الله ! أحسبك مازحا عندما ألقيت بي إلى البحر· ولا أستحسن مزاح الثقلاء· أجاب جادا: لا لم أكن أمزح ! هنا انتفخت غيظا وقلت: يا أخي لا أريد التحدث إليك قال: أنت مخطئ، تعال معي لأريك حجرة من سألت عنها وقبل أن أتمكن من الردّ دفعني أمامه، وسرنا في سرداب ضيق إلى أن وصلنا إلى باب صغير، فتحه مراد، ودخلنا إلى غرفة لم أر في حياتي لها مثيلا، واسعة قد ملئت بشموع عطرة، غطت جدرانها بأحسن الأقمشة وأبهجها، وفرشت بسجاد بديع ووسائد وافرة، كان بها صحاف رصت فيها فواكه وأطايب متنوعة، فكأنما النعيم قد كسا المكان بكل ما لديه وزيادة·
دهشت لمِا رأيتُ ، وما أدهشني أكثر هو أن تكون مثل هذه الغرفة في مركبنا هذا على بساطته قلت: سبحان مبدع الأرض والسماء وخالق الزمان والمدى كيف توجد هذه هنا؟ ولم أسأل بالطبع عن سُليَّى التي غابت عن المكان· قال مراد: اجلس !
جلست وعيناي تجولان في أرجاء الغرفة، فرأيت عن يميني، قفصاً كبيراً مُلِئَ طيورا جميلة متعددة الألوان والأحجام كلها صامتة قلت: لعلها تكون نائمة، وعن شمالي، وجدت نولاً لحياكة السجاد قد صنع من ذهب رصع به جوهر، قمت إليه لأرى عن قرب نقش السجادة التي كانت تنسجها به، فإذا هو صور لأفراد!···· نساءٍ ورجالٍ، يرتدون ثيابا فاخرة وهم يتجولون في قصور بديعة· منهم من ظهر في بساتين خلابة، وباحات أنيقة، ومنهم من بدا وكأنه يعزف، ومن يغني، ومن يأكل من أطباق فاخرة، وهكذا· أسعدني ما رأيت من جمال و صنعة لطيفة· لفت الأجزاء التامة من تلك السجادة، فلم أتمكن من رؤيتها جميعا، لكثرة ماقد طوى منها، قلت لمراد: تحمل هذه كل صور النعيم ! أجاب: نعم، تلك صنعة سُليَّى·
جعلت أتفحص الجزء الذي ظهر لي ولم يكتمل بعد، فتنبهت بعد برهة من إعجاب ، إلى أن كل من ظهر فيها قد بدا على وجوههم علامات الحزن والأسى! سألت مرادا متعجبا: هؤلاء كلهم تعساء! كيف يكون ذلك ؟ أجابني: أنت محق، فهم سجناء· قد سجنتهم سُليَّى في نسجها···
هنا ابتعدت عن صنعة سُليَّى· وقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، عجبا ما تقول يا رجل أويحبس الأحياء في نسج من زينة !
قال مراد: انظر يا فارس ! وهو يشير إلى جزء من النسج فاقتربت منه بترقب وسألت: أين؟ أشار: هنا··· هذا أنت ! نظرت وإذا بصورتي لم تكتمل بعد، قد ظهرت في النسج قلت: وماالذي أتي بي هنا؟ أجاب مراد: أنت!
ثم أردف: ألم تكن تبحث عنها؟ قلت بامتعاض: وما يعني هذا الهراء! قال مراد: اسأل نفسك · فهل تَسْلو عمرك أم تحياه ؟ ثم أضاف دون أن ينتظر مني جواباً لسؤاله: انظر إلى المكاحل التي صنعتها من ريش الطيور الحبيسة وأشار إلى منضدة قد رصت عليها مكاحل لطيفة أنيقة، بعضها صنع من ذهب، وبعضها من فضة وعاج، وأخرى نحتت من الجوهر الخالص، قلت في الحال: سأطلقهم ! فقد سئمت من سُليَّى وحبسها الأحياء، ضحك مراد وقال: وإن فعلت فلن يستطيعوا التحليق، إلا صغيرهم هذا، فلم تأخذ سُليَّى من ريش أجنحته بعد· وأشار إلى طير ترابي اللون كان قد وضع رأسه تحت جناحه ونام····
قلت: إذن أطلقه ! قال مراد: افعل، إن وجدت المفتاح·
أجبته بعزم: أجده إن شاء الله !
وجعلت أبحث عنه · بينما أنا في بحثي، إذا بمراد قد اضطجع ونام· خطر في نفسي: ما أشبهه بزوجتي··· تذكرت أبنائي الأربعة فحزنت···
تابعت بحثي، فكشفت ستارا، ووجدت به جيبا· فتحت الجيب، فإذا بداخله خمسة كتب صغيرة أخرجتها كلها، وجعلت أتفحص الكتب واحدا تلو الآخر، أجملها كان أحمر اللون قد رسم عليه وردة ما رأيت مثلها قط، فتحت الكتاب فإذا بطيب يخرج من بين صفحاته وكأني وقتها أحمل بين يدي قارورة عطر، خطت صفحات هذا الكتاب العبق بخط محكم تام البنية، كادت ترقص كلماته بخفة من فوق الأوراق، وكأن المداد صار نغما يرى، حملت تلك السطور قصة، بدأت في التو قراءتها بعدما أعدت الكتب الأربعة الأخرى إلى الجيب المخفي في الستارة، وهذا ما قرأت·····