قراءة كتاب سيدة الملكوت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سيدة الملكوت

سيدة الملكوت

رواية "سيدة الملكوت"؛ هي نشيد طويل طويل منحاز دون مواربة إلى أنوثة العالم في أجواء متداخلة وحافلة بالسحر والغموض تنساب قصة حب وصراع الكائنين الفانيين / الأبديين..

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
أسمع هدير محركات الطائرة وأنا أفتح عيني· أعود لتلاشي روحي· أغمض عيني وأغرق شيئاً فشيئاً في سحابات السواد·· أتساءل معذباً هل كان قراري صائباً، ولماذا اتخذت مثل هذا القرار!؟ أي شيطان صوّر لي أن هذا هو باب الخلاص!؟ لماذا لم أترك نفسي تعارك وجه باريس الذي كان يحجّرني حتى النهاية!؟ لماذا نسيت استخدام أسلحتي ودروعي أمام جمالها الذي كان يحجّرني، ولماذا انسحبت هكذا ببساطة ولم أترك نفسي تنساح، تلتحم ولو بالموت في جسد هذه الميدوزا الخالصة الجمال حتى النهاية· ما الذي جعلني هكذا، قصير النفس وأنهي نهاياتي على صورة هذه النهاية··· لقد سمعت صوتاً يقول لي أن أرحل، نعم أستطيع القول إنني سمعت صوت فطرتي يقول لي أن أرحل، وانصعت له كما أفعل عادة حين أجد نفسي في مطحنة التناقضات، ولكن ما الذي يدريني أن هذا الصوت هو صوت فطرتي، وأن هذه التافهة باريس لم تستخدم صوتاً مخادعاً لهزيمتي··
 
(أيتها التافهة باريس) أقول ضاحكاً وأنا أتذكر هذا اللقب الذي يناديها به صديقي محمود تحبباً ولكي يحيّيها بترداده كلما صنعتْ باريس ما يعبر عن عظمتها· لقد ارتكبتِ إثم هزيمتي حين لعبتِ أيتها التافهة لعبتي في أسطرة حياتي···
 
قلت لرفيقي محمود الذي استضافني للسكن معه، وأنا أنظر اللون الأخضر في كأس الويسكي بالنعناع الذي يعده جيداً، حين سألني لماذا أمارس حياة الصياد بدلاً من إيجاد فتاة أرتبط بها، إنني أنتظر معجزة أن تكون نورا في باريس· وقبل أن يستنكر محمود الذي لا يرحم بأخلاقياته هذا التصرف مني، قلت له إنني أعلم أنها متزوجة الآن لكنني أوقفت حياتي على انتظار هذه المرأة منذ أن انتشر نبأ جنوني بحبها في حلب، دون أن أعرفها لمجرد أني رأيت غلاف مجلة من تصميمها، وأني أعيش هذا الحب كوهم لامرأة أختزل بها جميع النساء· أنا أعلم أنها تعيش حياتها مع زوجها وابنها في الكويت، لكن هواجسي تبقيها حية في داخلي وتقول لي أن أنتظر، وضحك محمود من شطحاتي، لكنه توجس شراً فذكاؤه ودراساته عن شتراوس لم تسمح له إلا أن يقول لي: للأساطير أساس واقعي فاحذر من نفسك· أنت تعيش الحياة مثل فيلم سينمائي، ولا تفرّق بين حياتك وكتاباتك· قال لي محمود وهو يشرح لي خوفه من شطح أسلوبي الشعري، بعيداً عن حقيقة الحياة، إن استمررتَ باستخدام الأسطورة في حياتي على هذه الصورة، قال لي ذلك وأضاف أنه يخاف علي من لوثة ضياع في طيراني تدخلني في ثقب أسود لا أعرف له مخرج، ويبدو أنني دخلت هذا الثقب دون أن أدري في لوثة ضياعي بأحلامي في أحضان هذه التافهة باريس، ولم أعد أستطيع الكتابة···
 
سألني محمود أن أحدد له أو لنفسي ماذا سأفعل بحياتي في باريس، وقلت له دون أن أفكر وكأنني أهذي: سوف أقتفي أثرها، أبحث عنها، هنا في داخلي، وفي تفاصيل جسد باريس، وهناك في الوطن، في ذاكرتي، وسوف أتم روايتي عنها· نعم· سأكتب روايتي عنها· وضحك محمود· من أين ستبدأ· سألني ساخراً وقاصداً: من اللوفر أم من بيغال!؟·· وقلت له ضاحكاً: لا فرق لكنني قد أبدأ بما هو حيّ أي من اللوفر·· نعم سأزور الموناليزا التي يطيب لك أن تشبهها بوحدة الكون· لكن لماذا لا أبدأ من السان دوني أو من بيغال، أو ربما من دوفين حيث يتحد حابل النساء بنابل الرجال· أو ربما من الوطن· من تلك النقطة البعيدة الحية عندما قابلتها· هناك في متحف حلب حيث نزلت من دمشق لزيارة معرض كمال في صالة المتحف· هناك في حجرة الملكة في متحف حلب حيث دخلت بالقوة نفسها التي سلبت إرادتي لدرجة أنني لم أفكر بالمقاومة، ولا بموعد افتتاح المعرض في الصالة المجاورة، ولا بأصدقائي المنتظرين· هناك حيث انحرفت يساراً في الرواق المعاكس لاتجاهي إلى الصالة، ودخلت الرواق المؤدي إلى حجرة الملكة دون أن أقرأ حتى لوحة النحاس، المكتوب عليها (مملكة ماري) فوق الحائط· الرواق الخالي إلا من صوت خطواتي المتردد على الرخام· الرواق المفضي إلى باب الحجرة أمامي· باب حجرة الملكة المفتوح أمامي تحت شلال ضوء ينصب عليه بغزارة من نافذة خلفية، ويلقي بمحتويات الحجرة في قدر النور والظلال··· هناك حيث وقفتُ في بقعة النور أمام الباب ووقف ظلي المنسفح خلفي في الرواق مرتبكاً أن يلحق بي· مرتبكاً ويمد يديه متشبثاً لمنعي من المضي باتجاه الجسد، الذي تجلّى أمامي وشدتني إليه قوة نبضه الحية· شدتني إليه دون أن أستطيع المقاومة·· هناك حيث تجلّت أمامي· الربة أمامي· حيّة هكذا أمامي، وتدعوني···
 
انفصلتُ عن ظلي ودخلت· خطوة خطوتان ووقفت· وقفت وكأن يداً تقول لي أن أقف·

Pages