يرى الباحث د.
You are here
قراءة كتاب البنية الدرامية في شعر محمود درويش
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
تاريخ الدراما وتطورها
الدراما اليونانية:
وعند تناول موضوع الدراما مفهوما وتطورا سرعان ما تبرز شخصية الفيلسوف الإغريقي القديم (أرسطو طاليس) الذي يعده كثير من النقاد المورد الأول الذي استقى منه العالم المفهوم الدرامي، على الرغم من أن "كتاباته الدرامية لا تقاس بكتاباته الأخرى المختلفة، وآراؤه الدرامية جاءت عرضا في معرض رده على أفلاطون، الذي نعت الشعراء بأنهم غير قادرين على إعطاء تفسير كامل لما يفعلونه؛ فكان رده بمثابة نظرية درامية ما زلنا نتابعها حتى اليوم، رغم أنها عرفت فترات ازدهار، أو انحسار عبر التاريخ الدرامي".( )
والحديث عن الدراما والدرامية- من خلال تناول تصورات الأوائل من الإغريق والرومان- يقود إلى فتح بوابات الأدب على مصارعه، والولوج إلى طبيعة التصورات الأدبية لدى القدماء.
ولعل الحديث عن الدراما سينطلق من تلك القسمة المنطقية للأنواع الأدبية التي أرسى قواعدها (أرسطو) نفسه، وتبعه النقاد من بعده، فأضافوا ما أضافوا، وحذفوا ما حذفوا، لكنهم بقوا عالة على نقده، هذا التقسيم ينهض على اعتبار الأنواع الشعرية ثلاثة: الملحمي، والغنائي، والدرامي.
وقد كان لكتاب (أرسطو) " فن الشعر" الأثر البارز في توجيه هذا التصور والبناء عليه؛ ومن هنا، فإن تناول الظاهرة الدرامية، وتشعباتها الاصطلاحية، وتطورها التاريخي، سيفرض على الباحث أن يقف أمام هذه الأنواع وقفة تأمل، لفض ذلك الاشتباك والتداخل، واستكناه طبائعه، ووجوه التحول فيها عبر حركة التاريخ. مع الأخذ في الاعتبار أن تناول أي مصطلح نقدي لا يعني حسم جدلية الاختلاف حول مفهومه، ما دامت المفردة الأدبية المتناولة -أصلاً- مفردة قابلة للتحول الدلالي، والإشعاع، والإشارة إلى أكثر من قيمة دلالية.
إن هذا التزاوج بين الأنواع، والخلط- عبر حركة التاريخ الطويلة- سيفرض على الباحث نوعا من الاستقصاء، والمقاربة؛ من أجل رصد حالات التطور، والتغير الدلالي، في المصطلح (الدراما) ومتعلقاته كـ(الدرامية) و(والميلو دراما).
وأولى تلك الجدليات المربكة- في رأي الباحث- تتمثل في وجه العلاقة بين المسرح والشعر، من حيث النشأة والمفهوم، وإلى حد يتطابق المفهوم الاصطلاحي لكلمة دراما مع مصطلح الشعر. ثم ماذا عن طبيعة ذلك التزاوج بينهما؟ متى بدأ؟ وكيف؟ وأيهما اسبق؟ فالدراما فن مسرحي، قد يأخذ شكل الشعر، بوزنه وقافيته، أو قد يتحرر من هذين القيدين؛ حيث يأخذ شكل النثر.
ومن هنا، فإن تناول المصطلحات الأدبية بعيدا عن العمومية سيقلل من إشكالية الدلالة المفترضة في إطلاق كلمات عامة كالشعر مثلا.
أما الدراما، فهي وإن دلت على لون من ألوان الأدب كما مر في التعريفات التي قدمت، إلا أنها من السعة بحيث يتناول الباحث معها جملة من المتعلقات؛ فمن متعلقاتها القديمة مصطلحي (التراجيديا) و(الكوميديا)، أما الأول (التراجيديا) فهو مصطلح يتكون من لفظتين: (tragos) بمعنى: جدي، أو ماعز، ومن (oide) بمعنى نشيد أو أغنية. ( )
أما كلمة كوميديا فتتكون من: كلمة (komoidaia) بمعنى الحفل، أو الصخب، ومن(aeiden) وتعني: يغني أو ينشد.( )
وقبل أن أدلف إلى عالم الفصل بين الأنواع الأدبية( )، والتفصيل في حركة التأصيل النقدي لها، من خلال تطور المصطلح الدرامي تاريخيا، لا بد من الإشارة إلى منابع الآداب ومنطلقاتها لدى الشعوب التي ستلتقي جميعها عند نقطة واحدة ذات بعد ديني غالبا؛ "فقد نشأ الفن المسرحي، الذي يعد وسيلة للتعبير الفني- بعد حلبات المصارعة والسباقات- عند الشعوب القديمة: كالمصريين، والهنود، واليونان، في ظل المعابد، على اعتباره جزءا من عبادتهم، ومن ثم تطور وانفصل عن المعبد؛ فخرج إلى الحياة العامة مستقلا عن الدين، بقصد به المتعة الفنية. "( )
وإذا كانت أقدم النماذج المسرحية، وأروعها، قد وصلتنا من التراث اليوناني؛ فإن هذه النماذج قد ارتبطت بالجانب الديني بشكل واضح، ولعل الناظر في إنتاج شعراء المسرح الإغريقي البارزين: (اسخيليوس 425ق. م) و(سفوكليس 495ق. م) و(يوربيدس 84 4ق. م)، وهؤلاء "كانوا معاصرين لمعركة"سلاميس" التي خلصت العالم الغربي من عبودية فارسية أكيدة، كما تحولت إلى مصدر للاحتفالات الدينية"( )؛ فإنه يلمح ذلك الأثر الديني بوضوح.
أما الشعر "الهومري" الذي شكل نبعا لكثير من المنطلقات النقدية فقد أخذ" بداياته الأولى من الأناشيد، والتراتيل الدينية، ومن إلقاء مغني المعبد، أو منشده، كما أخذ أجنته الدرامية الأولى من أسطورة (ايزيس) و(أزدريس) الفرعونية، و(غاربت الفينيقية، و(جلجامش) البابلية، وغيرها من أساطير الشرق وملاحمه؛ وهذا يعني أن الملاحم (الهومرية) سبقت بماض طويل، وتراث أدبي شرقي عريق، لم يصلنا مكتملا.
والشعر (الهوميري) يعد المرحلة الجينية المتطورة للدراما الإغريقية وبدون تلك الأجنة والتوقف عندها لا يمكن فهم الدراما الإغريقية الناضجة"( )
وتبدو أهمية الحديث عن الشعر (الهوميري) مرتبطة بفرضية ترى أن الملاحم-وخصوصا (الهوميرية) منها- قد انبثقت من الدراما، وهذا مهد لنشوء مرحلة جديدة تمثلت مع عبادة (ديونيسوس) إله الخمر، الذي يمثل قوى الإخصاب في الطبيعة"( )
وإذا كانت الملحمة قد نشأت في جو وثني؛ فإن ذلك لن ينفي عنها هذا البعد الديني؛ فالوثنية دين، لكن الطابع الوثني منحها فرصة أوسع، ومرونة" سمحت للخوارق بالنمو، في حين أن الأديان السماوية تضع حدا للمعتقدات وتجمد الخوارق".( )