You are here

قراءة كتاب أعوام ضائعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أعوام ضائعة

أعوام ضائعة

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
وكنا رضوان وأنا، نتناوب العمل على الرشاش في قلب الخندق، ونتناوب كذلك التسلل بين الحين والحين لإحضار الذخيرة كلما قربت أن تنفد من عندنا، أو تحملها إلينا مع الزاد مديحة، خطيبة رضوان، والنساء الأخريات اللواتي يعملن خلف الخنادق وخطوط النار في البيوت القريبة لكي يزودن المناضلين بالزاد والماء والذخيرة، إنَّ النفوس لتهتاج حين تقع الواقعة، وينتفي كل معنى للخوف، فما يرى المرء بعينيه غير مناظر الدماء، ولا تشتاق نفسه إلى غير الخوض في دم الأعداء وسحق أشلائهم.
 
أيموت هو برصاص العدو؟ تلك أتفه التوافه في حسابه، إنَّ الموت حينئذ شهادة يترقبها المؤمن ويتمناها، ولا يبالي بها، لأن روحه تكون أهون عليه من رصاصة يطلقها أو يتلقاها، إنّه لا يدخل المعركة وهو موقن بأنه سيخرج منها حياً، وساعة الجد لا يحسب المرء فيها حساب الموت، فكيف به وهو يرى شرفه، وعرضه وبيته وأسرته وحقله كلها عرضة لأن تصبح غنيمة سهلة للعدو وهو لم يستمت في الدفاع عنها؟
 
"لعينيك يا مديحة".. هتف رضوان بهذه العبارة في نشوة غامرة، وأنا من خلفه أرى (البرن) يصرع ثلاثة من اليهود المهاجمين، ثم يتلوهم اثنان آخران وتنقلب سيارة الجيب التي تحملهم، وتندلع بها النار، فتنفجر الذخيرة التي في داخلها بعنف بفعل النار المندلعة.
 
ورأيتني دون وعي أهجم على رضوان وأعانقه وأنا أهتف: (تعيش يا رضوان.. تعيش) وأعود بسرعة فألتقط بندقيتي وأصوبها نحو جهة العدو، وأمضي أطلق النار من خلف أكياس الرمل، وصورة مديحة تضحك في خيالي مع لعلعة الرصاص واحتدام المعركة، وهي دون شك تضحك أكثر من ذلك في خيال رضوان الذي يفكر فيها وينتخي لها وهو يشد على زناد رشاشه، ويفكر في البراعم الغضة الستة عشر من عمرها التي تعطر خيال أعوامه الواحدة والعشرين بالأمل في اقتطافها بعد النصر، وكان من قبل يأمل أنْ يقتطفها بعد انتهاء الدراسة في خضوري.
 
حبّان يتنازعان قلبه وضميره الآن في الخندق وراء الرشاش، والمعركة محتدمة، والنار تنطلق من نافذة كل بيت، ومن خلف كل شجرة، ومن وراء كل متراس في المدينة نحو المستعمرات العدوة القريبة: حب مديحة، وحب فلسطين، وهو هنا وراء أكياس الرمل ويده على زناد الرشاش الملعلع لكي يفوز برضى الحبيبتين معاً: ينقذ إحداهما من اغتصاب الغزاة الطامعين، وينعم بلقاء الأخرى بعد ذلك في ظل الحرية والأمن والسلام

Pages