المجموعة القصصية "القصاصون على سجيتهم" للكاتب عمار الشقيري هي الأولى له، وتضم المجموعة قصصًا فريدةً بأجوائها، تبحث عن حقائق إنسانية وكونية مثقلة بصنوف من الحيرة وهموم التوتر والألم والتعب بيد أنها لا تنفك في بحثها الشاق عن قبس من سعادة أو افتتان بفرح.
You are here
قراءة كتاب القصاصون على سجيتهم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
رِسالَةُ الطيف
الماركسيان
" عن مُقَاتِليّنِ مُتَقاعِدين قَسرَاً "
وِجهة الدربِ
على بابِ المُخيّم، أمامَ دُكانٍ صَغيرٍ وقديم، يَجمَعهُما كُلَ ليلةٍ، يَتذكرُ " الماركسيّ العجوزُ " مَاضياً حَافِلاً ويَأسَفُ لِما آلَ الِيهِ، فَيسألُ رَفيقَهُ القَديمِ مِنْ بَابِ سَدّ الغَصّةِ التي مَرّت بِقلبهِ لِماماً:
ـ كَمْ بَقي للرِحلَة حتى نَصلْ؟
يَّردُ رَفيقُهُ القَديم، وَقد إعتادَ على السؤالِ الكَبيرِ الذي لَم يَعد كَبيراً مِن فَرطِ تِكراره في آماسيهِما الكَثيرة:
ـ وهل بَدأنا الرِحلةَ في الدربِ الصَحيحِ أصلاً حتى نَقول، متى الوصول؟
يعَرِفُ " الماركسيّ العَجوز " رَأي رَفيقهِ القَديم مُسبَقاً فلا يُعلِقُ، يَصمتان، ويُتابِعان رَشفَ الشاي وشُرودهما الأول، كأن أحدَهُما لَم يَسأل، وكأن الآخرَ لَم يُجب، وكأن السؤالَ الكبيرَ الذي لَم يَعدْ كَبيراً لا يَعنيهِما أصلاً، فالزمنُ يَعرف بِمهارةٍ كيفَ يُميتُ القلبَ ويَصرِفهُ الى الإنشِغالِ بِتفاصيلَ أقلّ وَطأةً مِن هذهِ الأسئِلةِ الكَبيرة.
آخر الحروب
تَمرَُ صَورةُ بيروت برأسِ " الماركسي العجوز "، فَيتَذكرُ آخرِ الحُروبِ التي خاضَها، هكذا مِن غيرِ سَبب، فَما أكثرَ دُنوَّ الذِكرياتِ عِندَ بَابِ النِهايةِ، يَنفطَرُ قَلبُهُ ألماً، ويَستعيدُ شَهيّةَ الكلامِ المَدفونِ فيهِ مُذ جَلسا عِندَ مَغيبِ هذا اليّوم بِبابِ الدُكان، فيهمسُ:
ـ في المَرةِ القَادمة... سَأعملُ على أن لا نَخرجَ مِن بابِ الشاطئ.
يُقهقه رفيقه القديم، ويضحكُ مِن نَوباتِ الخَرفِ التي تَفلتُ مِن فَمِ العَجوزِ بين الفينة والأخرى ويقول أسفاً:
ـ وهل بقيّ في العمرِ مَسافةٌ كافيةٌ لِنقولَ " مرة قادمة "؟
يصمتان.