You are here

قراءة كتاب مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره

"مرافئ - إبحار في لغة الوجود وفكره"، هذا الكتاب هو رحلة فكريّة بين السطور، نعبر بها محيطات وبحاراً، ونرسو دائماً في مرافئ تزوّدنا بالحياة والحرية والعدالة. وما بين مرفأ ومرفأ، نواجه عواصف وأنواءً فكرية تسكن وجداننا..

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
الثقافة ليست امتيازاً
 
عادة ما تطلق كلمة مثقف في الدول النامية والتي منها الوطن العربي، على الفرد المتعلم، مما يجعل من هذا المصطلح مفهوماً عاماً ينطبق على كل من قرأ أو كتب أو حمل شهادة· ويرجع ذلك إلى عدم قدرة هذه المجتمعات على التمييز بين المتعلم وبين المتعلم المثقف خاصة بالنسبة للدور الاجتماعي والوظيفي الذي يلعبه كل منهما·
 
ففي المجتمعات التي ما زالت تعيش التخلف التاريخي، إلى جانب حياتها البائسة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، يصبح الفرد الحاصل على العلم، مؤهلاً للانتقال إلى شريحة مختلفة على الغالبية العظمى غير المتعلمة، مما يدفعه لتكوين طبقة خاصة تقوم بدور هام في توجيه الناس سلباً أو إيجاباً وبالتحكم بهم، لأنهم يرون أن الفرد المتعلم أو المثقف يسبقها مسافات زمنية إلى الأمام بعيداً عن واقع التخلف الذي ما زالوا يعيشونه وسط حضارة إنسانية تتمثل بالثقافة·
 
وعندما نتكلم عن الثقافة في مثل مجتمعنا، فنحن نشمل بها كافة التوجهات الفكرية الحديثة والتقليدية·
 
من هنا تكمن أهمية المثقف في الدول النامية، فبقدر ما تكون المسافة ملغية بين الثقافة كامتياز خاص وبين واقع الحال في المجتمع الذي يعيشه المثقف بقدر ما يكون الإنتاج الإبداعي مندمجاً بين المبدع والمتلقي· وهذا ما نلاحظه عند البعض القليل من كتابنا المثقفين رغم قلتهم، حيث تنعكس على أعمالهم الأدبية والفنية كل قضايا العالم·
 
نذكر منهم عبدالله النديم الذي كان ملتصقاً بقضايا مجتمعه حياتياً وفكرياً من خلال الكلمة التي كان يكتبها، وجبرا إبراهيم جبرا الذي كان منفتحاً على ثقافات العالم دون أن يبتعد عن تراثه وثقافته العربية، فطرح قضايانا ومشاكلنا الاجتماعية والسياسية بكل وعي، وبرؤية حضارية كان لها أكبر الأثر على ثقافتنا المعاصرة· من أعماله المهمة البحث عن وليد مسعود والبئر الأولى ومعايشة النمرة والسفينة وصيادون في شارع ضيق وغيرها الكثير من الأعمال التي لا يتسع المجال لذكرها هنا·
 
أما عالمياً فيتوارد إلى ذهني الشاعر والكاتب رسول حمزاتوف الذي كتب العديد من المؤلفات الهامة حيث أمسك من خلالها بقضايا اجتماعية مهمة يعيشها شعبه، فلاقت نجاحاً كبيراً وصدى ثقافياً عالياً، منها الكراكي وقصة حافظوا على الأمهات وأشهرها الذي ترجم داغستان بلدي
 
وبالرغم من أن رسول حمزاتوف كان في بداياته قد ألف قصة عن الأدباء، متطورة كثيراً من الناحية الفنية والجمالية والفكرية، حيث حملت مضامين فلسفين ولاقت ترحيباً كبيراً من النقاد لحملها كل متطلبات وشروط النقد المنهجي وقواعده، إلا أنها لم تر صدى واستجابة جماهيرية لأنها لم تستطع تحريك وإثارة مشاعر القراء لعدم ملامستها قضاياهم وحياتهم· لذلك فإن رسول حمزاتوف يقول: أعتقد أن الأدب يحقق أهدافه الكاملة فقط عندما يهتم الناس به، وبشكل خاص أولئك الذين لم يكونوا قد فكروا فيه يوماً ما أو قد عرفوه من قبل
 
أما في حال ابتعاد الكاتب عن واقعه وعن قضايا مجتمعه نتيجة لثقافته المستمدة أو المقتبسة من ثقافات أخرى غريبة عن عالمنا، تصبح ثقافة هذا النمط، وهو الأكثر شيوعاً وانتشاراً في عالمنا المعاصر، سداً منيعاً تحجبه عن مجتمعه بدل أن يكون خيطاً يربطه أو جسراً يعبر عليه للوصول إلى الناس الذين ينظرون إليه على أنه الفئة الحضارية المتقدمة في المجتمع· وهذا القول لا يعني الانغلاق على النفس دون ثقافات الشعوب والأمم الأخرى، فالمثقف لا يحمل صفته إلا بفعل انفتاحه وتفاعله الفكري والذهني على الثقافات الأخرى· إنما القصد من ذلك أن ثقافة الإنسان الفاعل في كافة المجالات الإبداعية المنتجة، يجب ألا تعزله عن قضاياه الواقعية، والتي غالباً ما تكون مرتبطة بجذوره التاريخية، اعتقاداً منه أن يتطور ويتقدم في اتجاه التغيير، بينما هو في حقيقة الأمر ينتكس ويتراجع مؤثراً على كافة النواحي في المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا هو واقع الحال في المجتمع العربي·
 
من هنا فإن على المثقف أن يخلق من تفاعله مع الثقافات العالمية، دخولاً عميقاً في قضاياه ليستطيع تصوير واقع الحال وطرح الحلول والبدائل الهادفة للتغيير والتقدم للأفضل· وهذا لا يتم إلا باعتبار الثقافة درجة في التطور الاجتماعي العام، وليس امتيازاً أو مستوى أو خلاصاً فردياً أو شخصياً فقط·
 
85-8-18

Pages