الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها.
You are here
قراءة كتاب غلوب باشا جندي بين العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
علينا ألا نتصور أن شعوب الشرق الأوسط يجب أن تذهب ضحية الاحتياجات الاقتصادية لأوروبا الغربية وآسيا الجنوبية، فالقضية عكس ذلك تماماً. لقد كانت رفاهية سكان مصر وشبه الجزيرة العربية، معلقة عبر الأزمان، على هذا الواقع، وهو أنهم يعيشون من هذه الطريق التجارية، وكانت بلاد العرب، حتى اكتشاف الزيت فيها، واحدةً من أفقر البقاع في العالم؛ ولكن تيار التجارة الذي كان يتدفق عبرها، هو الذي كان يمدها بالرخاء والمهن والخدمات المختلفة، ويجذب إليها التجار والأعمال ورجال الأعمال. وكانت المدن الغنية، المزدهرة، تنشأ غالباً في أوساط قاحلة مقفرة، حيث تتدفق قوافل التجارة مثل: البتراء وتدمر والبصرة ودمشق وبورسعيد. وكان مجيء التجار للتجارة من مختلف الأمم، ورواحهم، يأتيان بالأفكار والثقافة. والعرب أنفسهم أسهموا في التجارة: الجنوبيون منهم كانوا يبحرون إلى الهند والملايو وأفريقيا الشرقية، وأبناء الداخل يحملون البضائع في قوافل إلى الشمال والشرق، والمتوسطيون يبحرون بها إلى بلاد الإغريق وروما وغاليه (فرنسا). وحيث يتدفق اليوم الزيت في خطوط الأنابيب، كانت بضائع الهند تنقل عبر الجزيرة العربية، قبل ألفي عام، على قوافل الإبل. لقد جعلت الجغرافية، من بلاد العرب، رواقاً للمرور.
هذا في حالة السلم. أما في الحرب، فإن الدولة راسخة الأسس في الشرق الأوسط تستطيع أن تحتفظ بالمراكب والغواصات في المتوسط والمحيط الهندي، ويكون لها من السهول القائمة شمال الجزيرة العربية، مطارات طبيعية كبيرة، تنطلق منها لمهاجمة أوروبا وآسيا وأفريقيا، جواً. والفضل في موقعها الحيوي المهم هذا، يعود إلى الجغرافية، بصرف النظر عن كفاءات السكان أو طبيعتهم. وهذا الموقع هو الذي أطلق عليه نابليون الوصف الشهير ((مُلتقى طرق العالم)) ، وهو الذي حمل بعضهم على القول: إن الدولة التي تسيطر عليه، يصبح في وسعها أن تحكم العالم؛ وليس في هذا القول مبالغة! .
يرى الطيار الذي يقود مركباً جوياً فوق المتوسط الأزرق اللامع، وهو يتجه جنوباً إلى فلسطين سهلاً ساحلياً ضيقاً، ثم يشهد سلسلة جبال فلسطين الوعرة قائمةً في الشمال والجنوب، ووراءها إلى الشرق مباشرة، تهبط الأرض أربعة آلاف قدم في وادي الأردن الضيق العميق، حيث يتلوّى النهر متعرجاً في شريط فضي، منحدراً إلى قلبه. ويقوم وراء الوادي صف من الجبال الصخرية المطمئنة الأكثر إمعاناً في الزُّرقة، هي جبال جلعاد ومؤاب وأدوم التي تتحدث عنها التوراة. وسفوح هذه الجبال، في أعلى منحدراتها، تبدو منقطة بالقرى والبساتين وغابات الصنوبر، على عرض نحو من خمسة عشر ميلاً. ثم تبدأ هذه الجبال، في الجانب الشرقي، بالتلاشي تدريجياً إلى أن تذوب في سهل سوريا الأشهب السنجابي حيث تتصل بالصحراء، وتمتد بلا انقطاع مسافة زهاء خمسمائة ميل حتى تبلغ ضفاف الفرات.
كانت دولة شرقي الأردن تتألف من نصف ذلك الوادي الأردني شرقي النهر، من صف الجبال ذاك، وأخيراً من صحراء سوريا على مسافة مئةٍ وخمسين ميلاً شرقي نهر الأردن.
كانت جبال شرقي الأردن تمثل أكثر من حاجز بين وادي الأردن وبادية الشام؛ لقد كانت نقطة التقاء الشرق والغرب، وكان لفلسطين دوماً عدة صلات بأوروبا عبر شرقي البحر المتوسط الضيق. وكانت الجبال القائمة وراء الأردن مكتظة بالمدن والقرى قبل آلاف السنين، قبل بني إسرائيل بكثير، وقبل أن يبلغوا فلسطين بقيادة موسى ويشوع. ومنذ قدوم هؤلاء إلى تلك البقعة أخذوا يتعرفون إلى الإغريق والرومان والصليبيين، ولكنهم كانوا دوماً معرّضين لهجمات متواصلة، وغزوات لا تنقطع من قبل البدو الرّحل القادمين من الصحراء الشرقية.