رواية "هناك في سمرقند"؛ للكاتب الفلسطيني أسعد الأسعد، الصادرة عام 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:
قراءة كتاب هناك في سمرقند
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

هناك في سمرقند
الصفحة رقم: 2
- وما الذي أتى بك إلى ديارنا؟
- جئت باحثًا عن هذا الراقد هنا.
أشار إلى الضريح، وقد بدأ الدم يجري في عروقه، وترتفع نبرات صوته.
- وما لك عنده؟
- لي عنده جواب لسؤال، أظنك سمعتني أسأله.
تحرك "بختيار" نحو قدمي الضريح فلم يعد "أليشير" يسمعه. حدّق في الضريح الممتد على مسافة طويلة، وسأله "بختيار":
- وهل كان دانيال طويل القامة إلى هذا الحد؟
- تلك قصة طويلة.
- أُحب سماعها.
اعتدل "بختيار" في وقفته، تقدم نحو "إليشير"، وراح يقص عليه حكاية دانيال، التي اعتاد على سردها، حتى حفظها عن ظهر قلب.
كان ذلك في نهاية المائة السادسة قبل الميلاد، حين هاجم الملك الأشوري "نبوخذ نصر" مدينة القدس، فدمرّها، وأحرق كل ما فيها، ثم أخذ ساكنيها من اليهود سبايا إلى عاصمة بابل، وأخذ فيما أخذ، صبيًّا لم يتجاوز الرابعة من عمره، قيل إنَّ اسمه "دانيال"، وكان من عادة أهل بابل التسلّي بأسراهم، بأن يلقوا بهم في حفرة فيها أسد ولبؤة، وهذا ما فعلوه بـ"دانيال"، وقد فوجئ البابليون حين رأوا الأسدين يلعبان مع "دانيال"، ويتمسحان به، دون أن يمسّاه بأذى، فعرفوا أنه مقدّس. أخرجوه من الحفرة، وعاملوه باحترام وقدسيّة، وحين توفي دفن في الموصل، لكنَّ جثته لم تتحلل، وبقيت على حالها، حتى نقلها الفرس إلى مدينة "شوش"، وقد بقيت جثته هناك ثلاثمائة سنة لم تدفن، حيث كان أهل "شوش"، الواقعة شمال بلاد فارس قريبًا من بحر قزوين، يتبرّكون به، بل ويستمطرون السماء بالجثة، التي إن أدخلوها توقف المطر، وإن عرضوها للشمس والهواء أمطرت، فاحتفظوا بها في قصر "هرمزان" قرب "تبريز"، وبقيت هناك (300) سنة إلى أن جاء رجل من بلاد فارس يدعى "حرقوس"، وأعلم بدوره أحد قادة المسلمين، الذي فتح تلك المنطقة من شمال العراق وبلاد فارس، وهو أبو موسى الأشعري، الذي استشار الخليفة عمر بن الخطاب، فأمر بدفن الجثة، لكن أبا موسى الأشعري، حفر (13) قبرًا، وأمر بدفن الجثة ليلاً في أحدها، حتى لا يعثر عليه أحد، وقد وجدوا فيما بعد إلى جوارها صفيحة من ذهب، ومخطوطة كُتبت بالآرامية القديمة، أما المخطوطة، فقد اختلف المؤمنون بأمرها، حيث نسبها كل إليه، لكنهم اتفقوا ثلاثتهم، على تقديسه، واستمر ذلك حتى اليوم.
هذا ما يفسر طول قبر دانيال في سمرقند، حيث أراد الأمير تيمور أن يكون قبر دانيال بطول ثلاثة عشر قبرًا، مثلما هو في الأصل، وقد درج أهل سمرقند على دفن موتاهم في قبور متعرجة وغير مستقيمة حتى اليوم، كي لا تصلها الوحوش والحيوانات الضالة المفترسة، أما خاتم دانيال، فقد أخذه أبو موسى الأشعري، حيث ورثه عنه ابنه أبو بردة، ويقال، أيضًا، إنَّ تيمور وجد الخاتم في قبر دانيال حين نبشه، وحمله معه إلى سمرقند، وما زال في يده حتى مات، ويقال، أيضًا، أنَّه أمر بأن يدفن الخاتم معه، وحين جاءت بعثة حكومية بلشفية من موسكو، ونبشوا قبر تيمور محاولين نقله إلى موسكو، أصابهم الذعر، ولم يتمكنوا من انتزاع الخاتم من أصبع الأمير تيمور، لكنهم ذكَروا في تقاريرهم أنَّ الخاتم مصنوع من الفضة، وقد نقش عليه صورة رجل يحمل على كتفيه أسدين.
- من هو دانيال هذا؟ وما الذي أتى به إلى العراق؟ سأل العربي بختيار.
- كان ذلك قبل ميلاد السيد المسيح، وقبل الإسلام بألف سنة وأكثر.