المجموعة القصصية "الصدى" للكاتب محمد زكريا الزعيم، يقول في مقدمتها:
قراءة كتاب الصدى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الصدى
الأبواب الموصدة
متى كانت أبواب السماء مغلقة ؟
صوت الحق
عاش حياته بعيداً عن الناس ، متوارياً عن صخب الحياة ، منصرفاً عن وقائع الأيام ، فقد كان ديدنه أن يهرب من الواجب ويتاقل عن حمل الأمانة ولم يعرف عنه ألبتّه أنّه هشّ لمعروف أو سارع إلى مكرمة أو خفَّ إلى نجدة ، وقد بلغ منه الشحُّ مبلغاً أنه بات يستكثر على البائسين كلمة رضا أو بسمة أمل أو ربتة عطف على كتف ، وكيف يُرجى ذلك ممن في طبعه قسوة لا يلين ، وفي نفسه غلظة لا ترق ! .
وكان من عوائده إيصاد الأبواب ، وإغلاق النوافذ ، وإسدال الستائر حتى لا تصل إليه صرخة مستغيث ، أو أنين ضعف ، أو نداء مظلوم ! .
وليس هذا فحسب فمن طريف أمره أنه لا يكتفي بإيصاد الأبواب وإغلاق النوافذ وإسدال الستائر فقد كان يحيط نفسه بضباب كثيف ودخان صفيق وكأني به لم يكن حظّه من اللغة إلا ألفاظٌ مثل " أغلق ، أوصد ، أقفل " فقد كانت هذه الألفاظ أداة تواصل اجتماعي بينه وبين خادمه الحكيم وصديقه الوحيد .
وقد أصبح مألوفاً أن يتعالى صراخه في الغداة والعشي في جنبات بيته النائي منادياً الخادم :
أغلق الباب الخارجي
أغلق باب الحديقة
أغلق باب الكراج
ثم لا يلبث أن يغطي رأسه ويستغشي ثيابه ثم يصيح بالخادم :
أوصد باب الغرفة وأقفل باب النافذة ثم أسدل عليها الستائر .
ولا يسع الخادم المسكين إلا أن يستجيب لما طلب منه ، ويفعل صاغراً ما تضيق به نفسه ولسان حاله يردد داروا سفهاءكم ! .
وما زالت هذه هي الحال حتى حدث ما أضجر الخادم واستنفذ حلمه إذا ترددت في جنبات الدار أصداء أصوات سيده وكأنها تنحنح شحيحٍ يائسٍ مخذول :
أطبق جفنيك ! وأغلق منافذ ذهنك !
فأطبق الخادم جفنيه ثم سرعان ما فتح عينيه وهو يهتف مرتعداً :
هيهات هيهات إني أحس غواشي الظلام تسدل ستائر سوداء تكاد تخنقني ثم أغلق منافذ ذهنه ، فإذا به يستشعر أنه ثور رحى يدور ، يدور ، وما يزال يدور .
فأعاد لتوه فتح مغاليق ذهنه ، فأحس بأنوار ساطعة لا عهد له بمثلها ، فصاح بسيده مزمجراً : لن أكون ثور رحى ، لن أكون ثور رحى .
فقاطعه صوت السيد نعيباً نهيقاً : إذاً أغلق أبواب السماء ! .
وقبل أن يتم كلامه جاءه صوت الخادم الحكيم قاصفاً مدوياً : ومتى كانت أبواب السماء مغلقة ؟ ! ومن ذا الذي يقوى على إغلاقها ! !
فبهت الذي جحد !