من رحم المعاناة التي نعيشها كمسلمين وعرب، رحت أبحث عن الدوافع التي تجعل الغرب يفعل بنا ما يفعله على مستوى الإنسان والأرض، واستغرق بحثي هذا فترة طويلة عشت نهارها وليلها مع صفحات ما كتب قديماً وحديثاً حول العلاقة التي قامت بين المسلمين العرب وبين الغرب، من بد
You are here
قراءة كتاب معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
إن ما ذكرناه كانت حالة عامة تشمل أوروبا شرقها وغربها وبقية العالم، قبل أن يسطع نور الإسلام، ويعم العالم شرقه وغربه، حيث أخذت خيوط هذا النور تمتد خارج مهبط الوحي (الجزيرة العربية) لتزيل عن تلك البلاد دياجير الظلمات بفضل فيضه الخيّر، بعد أن أشرقت الأرض بنور ربها، وعم فضله بلدانها، وعمّر شرعه أرجاءها.
أما بلدان أوروبا التي لم يصلها هذا النور، فقد ختم الله على قلبها، وبقيت تتقلب في أحضان البؤس والجهل تكتنفها مخالب رجال الكنيسة وسطوتهم، وقد حشوا عقول الناس بالأفكار الجامدة والمواقف المفجعة، وإثارتهم للحروب بين الأمم ودعوتهم إلى الحملات الصليبية.
وحتى نوثق هذه المعلومات بحقائق لا تقبل الشك فيها، فإننا ننقل بعض ما تركه لنا الرحالة المسلمون من أخبار ذات قيمة تاريخية كبيرة عن تلك الشعوب وأحوالها.
فهذا (ابن دحية الكلبي)( ) يقول واصفا حال سكان إحدى البلدان الاسكندنافية (الدانمارك)، التي كان يسكنها (النورمان)( )- وقد عرف هؤلاء في المصادر الأندلسية بالمجوس -: (فيها من المجوس مالا يحصى عددهم، وتقرب من تلك الجزيرة جزائر كثيرة، منها صغار وكبار، أهلها كلهم مجوس، وما يليها من البر أيضا لهم مسيرة أيام، وهم مجوس، وهم اليوم على دين النصرانية وقد تركوا عبادة النار، ودينهم الذي كانوا عليه، ورجعوا نصارى إلا أهل جزائر منقطعة في البحر هم على دينهم الأول من عبادة النار، ونكاح الأم والأخت وغير ذلك من أصناف الشنار. وهؤلاء يقاتلونهم ويسبونهم)( ).
ويصف (صاعد الأندلسي)( ) بعض سكان البلاد الأوروبية بقوله: (فهم أشبه بالبهائم منهم بالناس، لأن من كان منهم موغلا في بلاد الشمال ما بين آخر الأقاليم السبعة التي هي نهاية المعمورة في الشمال، فإفراط بعد الشمس عن مساماته رؤوسهم، برد هواءهم وكثف جوهم، فصارت لذلك أفرجتهم باردة، وأخلاقهم فجة، فعظمت أبدانهم، وابيضت ألوانهم، وانسدلت شعورهم، فعدموا بهذه دقة الأفهام، وثقوب الخواطر، وغلب عليهم الجهل والبلادة، وفشا فيهم العمى والغباءة، كالصقالبة، والبلغر، ومن اتصل بهم)( ).
أما (البكري)( ) فيذكر نقلا عن عمّا رواه الرحالة الأندلسي - إبراهيم بن يعقوب الطرطوشي - من أهل القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، يصف أهل بلد جليقية( ) بأنهم (أهل غدر ودناءة أخلاق، لا ينظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد. ولا يغسلون ثيابهم منذ يلبسونها إلى أن تنقطع عليهم، ويزعمون أن الوسخ الذي يعلوها من عرقهم تنعم به أجسامهم وتصح أبدانهم. وثيابهم اضيق الثياب، وهي مفرجة يبدو من تفاريجها أكثر أبدانهم)( ).
ويؤكد هذا المعنى المؤرخ الأوروبي (لين بول)، فيقول: (تظهر المقابلة جلية غريبة بين حاضرة الأندلس وغيرها من المدن، إذا ذكرنا أن أوروبا كلها في هذا العهد كانت غارقة في حمأة من الجهل وخشونة الأخلاق)( ).
ويصرح هذا المؤرخ أيضا بأن (قرطبة العظيمة)( )، التي كانت أعجوبة العصور الوسطى، غارقة في الجهالة البربرية، فريسة للشقاق والحروب)( ).
ويحدثنا البكري عن أهل (روما)( ) قائلا: (يدبر أمرهم برومة البابه - البابا - ويجب على كل ملك من ملوك النصارى إذا اجتمع بالبابه أن ينبطح على الأرض بين يديه، فلا يزال يقبل رجل البابه ولا يرفع رأسه حتى يأمره البابه بالقيام)( ).