You are here

قراءة كتاب وقت للعبث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وقت للعبث

وقت للعبث

رواية "وقت للعبث" للكاتب الإسباني خافيير مارياس، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب والمترجم علي ابراهيم الأشقر، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

أنا ما كانت أسألها ولا أبدي أيّ تعليق حول الموضوع، فما كان يعجبني أن أبدو قلقاً وخالياً من الشكوك، وفوق ذلك، كانت هي تُعلمني على شكل طبيعي كل مرة بعد أن تنحني فوقه: «هوّي! ما تزال عيناه مفتوحتين كالصحن!» وجود ذلك الصبيّ هيمن على كل شيء على الرغم من هدوئه. كان طفلاً هادئاً ويبدو أنه حسن الطبع لا يكاد يثير الضجر، لكنه ما كان يريد بأي شكل أن يدعنا وحدنا، ما كان يريد بأي شكل أن يغيب عن هذا المكان، وما كان يريد بأي شكل أن تبتعد عنه أمه التي تتخذ الآن ذات الوضع الذي اتّخذه ابنها على الصوفا الكبيرة قياساً لحجمه بينا كان يقاوم التعب، أما هي فكانت تقاوم المرض أو الخوف أو الكآبة أو الندم، ولا تبدو جرماً دقيقاً على سريرها ذاته، ولم تكن وحيدة، بل أقف أنا إلى جانبها وجهاز التحكّم بيدي من غير أن أعرف ما أنا صانع. وقلت لها: «أتريدين أن أذهب؟»، «لا تذهب، بل انتظر قليلاً، فلا بدّ للألم من أن يزول عني. لا تتركني!» أجابت مارتا تيِّيث، ثم التفتت بوجهها صوبي بالنيّة أكثر مما هو بالفعل: ولم تبلغ أن تراني، لأنها لم تلتفت التفاتة كافية، بل على العكس من ذلك، دخل مجال رؤيتها التلفازُ الشغّال، ووجه ماك موري الأبله الذي أخذت أقرنه بوجه الزوج الغائب بينا كنت أفكر فيها وفيما حدث وفيما لم يحدث، وفيما كنت أحضّر له حتى ذلك الحين. فلِمَ لا يهتف الآن إذا كان مسهدّاً في لندن؟ فقد يخفّف عنها لو رنّ الهاتف الآن وأمسكت بالسمّاعة وشرحت للزوج بصوت ضعيف أنها مريضة جدّاً وأنها لا تدري ماذا يحدث لها. وسوف يتحمّل هو الأمر وإن كان بعيداً، وسأجد نفسي مُعفى من كل مسؤولية، وأكفّ عن أن أكون شاهداً (مسؤولية من يُوفّق في النجاة فقط، ولا شيء آخر)، ربما استطاع هو أن يهتف إلى طبيب أو إلى جار (نعم، هو يعرفهم لانهم جيرانه وليسوا جيراني)، أو إلى أخت له، أو بنت حميّ ليستفيقوا من نومهم مذعورين ويصلوا في منتصف الليل إلى بيته ليسعفوا زوجه المريضة. وأنصرف أثناء ذلك، وقد أعود في ليلة أخرى إن اقتضى الحال، في ليلة لا نحتاج فيها إلى مساعٍ ومقدّمات أُخرى، قد أزورها غداً مساء في مثل هذه الساعة إذا كنت مطمئناً إلى أن الطفل قد نام. أمّا أنا فلن أنام، لكن الزوج قد يكون عاد قبل الأوان: «أتريدين أن أهتف لزوجك؟» سألتُ مارتا، «على الأغلب سيطمئنك كلامه، وليْعلمْ أنك لست على ما يرام».، نحن لا نطيق ألا يكون أقرباؤنا على علم بآلامنا، لا نطيق أن يظلوا يحسبوننا سعداء إلى هذا الحدّ أو ذاك، إذا أصبحنا غير سعداء بغتة، هناك أربعة أشخاص أو خمسة في حياة كل امرئ ينبغي لهم أن يكونوا على علم بكل ما يحدث لنا فوراً، لا نطيق أن يظلّوا يؤمنون لحظة واحدة أخرى بما أصبح غير موجود، كأنْ يحسبوننا متزوّجين إذا أمسينا أرامل، أو أن لنا آباء إذا صرنا يتامى، وفي صحبة إذا هُجرنا، أو بصحّة إذا أصبحنا مرضى، أو أن يحسبونا أحياء إذا متنا. لكن تلك الليلة كانت ليلة غريبة خاصّة على مارتا تيّيث، كانت بلا ريب أغرب ليلة في تاريخ وجودها. والتفتت إليّ بوجهها التفاتة أكبر، ورأيت ذلك الوجه مباشرة، كما قد تكون رأت وجهي، منذ لحظة فقط كانت تُبدي لي نقرتها التي تزداد تعرّقاً وصلابة. وخيوط الشعر التي تجري فوقها تزداد تلبّداً أو كأنها بُلّلت بالطين، كانت توليني ظهرها العاري الخالي من أية علامات. لمّا استدارت استدارة كاملة رأيت عينيها غائرتين حتى يبدو محالاً أن تريا شيئاً، وقد غطتهما تقريباً الجفون الطويلة، ولا أدري إن كانت الغرابة التي لمحتها في نظرتها تعود إلى أنها قد نسيتني مؤقّتاً، أو أنها لم تعرفني، أو تعود إلى سؤالي وتعليقي أو ربّما لإحساسها الآن بشيء لم تحسّ به قطّ من قبل. افترض أنها كانت تُحتضر، ولم أتنبّه إليها لأن الاحتضار أمر طارئ على الناس جميعاً. «أأنت مجنون؟»، قالت لي، «كيف أهتف له؟ لسوف يقتلني».

Pages