You are here

قراءة كتاب العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب

العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب

كتاب "العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب"، عندما فاجأت العولمة العالم الإسلامي بظهورها واقتحامها، اصيب المسلمون بالذهول، والكثير اختلطت عليه الأمور ولم يعد يملك القدرة على استيعاب المتغيرات، والاحداث التي سيطرت على الكرة الأرضية اليوم، وبناء على هذا التحدي الخ

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

تمهـيد

قال تعالى:( إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال تعالى:( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ).
الأوهام والغرور والطغيان والخوف والجوع مفردات عاشت مع الإنسان منذ ان خلقه الله تعالى ولكن بصور مختلفة ولذلك كان حكم الملائكة على الإنسان مبنيا على القناعة التامة والمستندة الى واقع الحال الذي يؤكد ان هذا الإنسان قد تلبسته حالة الفساد وسفك الدماء فوصفت الملائكة شخصيته في قوله تعالى ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ولكن الله تعالى العليم الحكيم اراد للإنسان خيرا وسعادة حقيقية في ظل تعاليمه في الحياة الدنيا ونعيما ابديا في الحياة الاخرة. وهكذا كانت البداية وحي وتعاليم من السماء للإنسان يهتدي بها ويعيش في ظلها وكلما ابتعد الإنسان عن مصدر سعادته سقط في شراك الشيطان وتخلى عن القيم الانسانية وهبط الى حضيض الحيوانية بل ادنى منها. ولم يترك الله جلَّ وعلا الانسان، ففي كل مرة يسقط فيها الانسان يبعث الله نبيا او رسولا لانتشاله وليضع خطواته من جديد على الصراط المستقيم. وفي اخر مرة بعث الله تعالى نبيا رسولا وانزل معه كتابا جعله دستورا للانسان على الارض يحقق الانسان في التفاعل معه انسانيته، وكانت الرسالة الاخيرة عالمية تخاطب الانسان في كل مكان وزمان الى قيام الساعة من هنا كانت هذه العالمية تمثل الإنسانية وتمثل الرحمة وتواجه الظلم والطغيان وتحِّمل الأمة التي استجابت للرسالة في تنزيلها الاول مسؤولية انقاذ الانسانية من الاستعباد والذل والخوف وفي مقابلة هذا المنهج الالهي للانسان كان الشيطان يحاول باستمرار ولم يكف عن محاولته لخداع الانسان وتخويفه من السير على الطريق الصحيح ولما كانت الرسالة الاخيرة عالمية وانسانية واجهتها فلسفات ارتكاسية شمولية اولها اليهودية المحرفة التي تخدم الحركة الصهيونية ففي القرن الثامن عشر الميلادي ظهر قس انكليزي يدعى مالثوس ابدع عقله قانونا اجراميا سماه (قانون الفقراء) (Poor Low) وخلاصة هذا القانون (ان الموارد الطبيعية لا تتناسب مع الزيادة السكانية فلابد من ادراك ان الفقراء العاطلين لا يستحقون الحياة ولابد من التخلص منهم) وكان هذا القانون ملهما للماركسية في نظرتها الى الانسان حين اقرت بمبدأ: ان الحياة يستحقها الذي يملك القدرة على الانتاج ثم جاء دارون ووضع نظريته (أصل الانواع) مستلهما قانون الفقراء عندما اقر ان البقاء في الحياة للاصلح، وهكذا كانت هذه الفلسفات اللا انسـانية قابعة خلف مصادر التأثير في الحياة (المال والعلم والسلطة) تحرك القوى الطاغوتية لمواجهة الاسلام. او الانسانية بصورة عامة وعندما ننظر الى تاريخ اوربا ونتلمس خلفية الاحداث ندرك ان حركة القوة الطاغوتية كانت تستند الى الفلسفة الشيطانية اللا انسانية التي تابعناها وفق السياق التاريخي . ففي الحرب العالمية الاولى وفي اجواء المذابح الجماعية ظهر قانون او مصطلح (ثالـوث المعونة) (Triage) وكان يستخدم لوصف نظام تقديم المساعدة الطبية في مستشفيات الميدان، فقد كان الجرحى يقسمون على ثلاث مجموعات:
1. من سيعيشون ليحاربوا مرة اخرى دون مساعدة طبية.
2. ومن لن يشفوا حتى بالمساعدة الطبية.
3. ومن ستكون المساعدة الطبية حاسمة بالنسبة لهم.
ومن هذا القانون استلهمت القوى الغربية قانون المساعدة للبلدان النامية على وفق هذا المفهوم مصطلح (ثالوث المعونة) الذي تحدد بموجبه الدول التي تستحق المساعدة من التي لا تستحقها وقد عبر عن ذلك احد اعضاء مجلس الامن القومي الامريكي عندما ذكر (بأن منح المعونة الغذائية للبلدان لمجرد ان الناس جوعى هو سبب بالغ الضعف)، واكد بأن المعونات الخارجية لابد ان تذهب لخدمة المصالح السياسية والاقتصادية.
ويلتقي مصطلح الثالوث مع قانون الفقراء لمالثوس حيث يقوم على اساس مقولة الرعب القائلة بأننا ندخل عصر الندرة المطلقة، وبناء على هذه النظرية يجب توزيع الغذاء بحرص لضمان بقاء انفسنا.
ويخطو جاريت هاردين استاذ الايكولوجيا البشرية في جامعة كاليفورينا خطوة اكثر صراحة ويكشف عن حقيقة الاستراتيجية الغربية عندما يشّبه الكوكب الارضي بقارب النجاة فيقول: "(فإذا سمحنا لأي شخص بركوب قارب نجاتنا فسوف نغرق جميعا " وهكذا يجري خداع الناس بصورة مرعبة عن النقص الغذائي والانفجار السكاني). ويبرر القتل الجماعي والابادة السكانية للتخلص من الزيادات في معدلات النمو للبلدان النامية.
وفي هذه الاجواء وعلى وفق تطور الايديولوجيات عبر السياق التاريخي لتشكل المفاهيم المتأسسة على المصالح والذرائعية المفرطة والانوية الطاغية ظهرت العولمة وفي غياب القوة المضادة التي كانت تعمل على نوع من التوازن أكتسحت القوة الاحادية العالم وفرضت النظام العالمي الجديد وعرضت النمط الامريكي للحياة وحاولت خداع العالم بما يظهر من نقاط الجذب واوهام السعادة التي كان الشيطان يعد ويمني بها اتباعه.
ولا نريد ان نقف عند معنى العولمة ودلالتها الفكرية والاقتصادية لأن الموضوع قد استهلك بحثا او انه يمكن التعرف عليه من خلال زوايا غير زاوية النظر التي نقف عليها، ولكن لابد من قراءة العقل الغربي الذي صنع العولمة، وفي اي سياق تاريخي نضجت معالم نظريتها؟ وما هي منطلقاتها وخلفيتها الايدلوجية؟ ولابد من التذكير بأن الاوهام والخداع والتخويف من الوسائل الفعالة والمهمة في عملية تسويق العولمة. (ان مشكلة العالم الغربي كله انه فصّل الاقتصاد عن الاخلاق كما فصل السياسة عن الاخلاق والعلم عن الاخلاق والحرب عن الاخلاق وزعم ان الغاية تبرر الوسيلة، هذا مع ان غايته هذا ليست شريفة بل هي غاية شـريرة: ان يحيا المرء ولو بموت غيره، وان يبني نفسه على انقاض غيره). وكما ذكرنا بأن المواجهة الأولى للإسلام كانت مع اليهود الذين حرفوا التوراة واستمرت المواجهة ولم تتوقف حتى العصر الحديث ولكنها تكون واضحة ومكشوفة احيانا ومخفية احيانا اخرى. وتمثلت المواجهة بتوظيف اليهود كل الوسائل ضد الاسلام فكانت الماركسية الإلحادية والدارونية وغيرها من الفلسفات واخرها كانت العولمة (وكل العولمات في النهاية تعمل لصالح المشروع الصهيوني وخدمة دولة الكيان الصهيوني (اسرائيل): العولمة السياسية والعولمة الاقتصادية والعولمة الثقافية والعولمة الدينية، وكل ما يمكن ان يخترع من العولمات وما بعد العولمات قد يحقق مصالح لأمريكا خاصة وللغرب عامة ولكن لابد ان تستفيد منه في النهاية اسرائيل).
ومنذ ان تحالفت اليهودية مع المسيحية تم توظيف العالم الغربي وامكاناته البشرية والاقتصادية لمصلحة الحركة الصهيوينة وتمت هذه العملية عبر مئات السنين وبتخطيط يهودي خبيث وماكر استخدمت فيه الاموال والشهوات للوصول الى هذه النتيجة، وان هذه النظرة لا تستند الى نظرية المؤامرة التي يروج الفكر العولمي والشمولي الى استبعادها ويمارس ضغوطا فكرية تصل الى حد الاتهام بالسطحية لكل من يحاول ان يفهم الاحداث على وفق سياقها التاريخي. ويذكر البعض (ان العولمة اسقطت نظرية المؤامرة بفضل سرعة وسهولة تدفق المعلومات)، ونحن لا نعتقد بآلية نظرية المؤامرة كما يصورها المستسلمون لها بقدرية وجبرية سالبة لكل قدرة على الحركة والفعل المواجه لها. ولكن نعتقد بوجود مصالح استراتيجية تتفق عليها وعلى تحقيقها قوى الطغيان العالمي لنهب ثروات الشعوب وسلب حريتها واستعبادها كما ذكر القرآن الكريم عن السلطة الفرعونية المعاصرة لموسى (عليه السلام) عندما قال يمتن على موسى (عليه السلام) (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ )، فاجابه موسى (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ). وبذلك تكون المصالح دافعا قويا لتأمر الاقوياء على المستضعفين لاحكام السيطرة على ثرواتهم.
وهكذا تقول قوى العولمة الطاغوتية بانا نمنحكم اسباب الحياة نعدكم بسعادة ومتعة لن يقدمها للشعوب غيرنا وما على الشعوب الا القبول بنمط الحياة المسوق اليها من دوائر الاسرار الكوكبية، وعلى هذا الاساس لا يوجد سيناريو متفق عليه بين اطراف اللعبة ولكن هناك تخطيط وبرامج ذكية للوصول الى الهيمنة والسيطرة على اقتصاد العالم وتستخدم الايدلوجيات كغطاء تبريري لتحريك الرأي العام لخدمة اهداف القوى الكبرى ولذلك كان الصراع هو النمط الطاغي على علاقات البشر لتلبس الاهواء والمصالح للانسـان في كل زمـان ومكان. وعندما ننظر الى الاحداث من خلال هـذه الزاويـة تستطيع ان نفهم الازدواجيـة في المعايير والمكاييـل التي يمارسـها الاقويـاء على المستضعفين ولذلك يرى (جاك ادا. ان العولمة تعني سيطرة الرأسمالية على العالم، اي هيمنة الدول القوية وتحكمها بمصير البشرية. ويرى بعضهم الاخر ان العولمة تيار كاسح حطم الحدود الاقليمية ودمر الثقافات القوية وتحكمها بمصير البشرية، من هنا كانت السياسات العولمية تطغى على احتمالات الجوانب الايجابية التي يمكن ان تنعكس على الحياة في ظل العولمة فالمشكلة تظهر في التوجيه المركزي للعولمة بما يضيق من فوائد التواصل العالمي ويعزز آليات الاستغلال والهيمنة وفرض مصالح الأقوى وكل هذا ينمي النزعات اللا انسانية والنفعية ويزرع الشقاق والتفتت ويؤدي الى الاستئثار المصلحي والعنصري الضيق لفوائد العلم والتكنولوجيا)
 فالعولمة على هذا الأساس هي نمط جديد ابتدعه صناع القرار الطاغوتي وهيأوا العالم لقبوله في سياق تفكيك اقطاب الصراع الاولى مع فارق استخدام التطور التكنولوجي لخدمة الوضع السياسي السائد في العالم ، وبعد ان قدم غورباتشوف (اكبر قوة في العالم - على طبق من ذهب – للتفكـك والضياع والمصير المجهول، قام رأسماليو الغرب بانشاء معهد باسمه في احد اهم اماكن سان فرانسيسكو، وكانت هذه الاحتفالية الضخمة التي دعي اليها اكثر من خمسمائة من رموز الفكر والسياسة في العالم على رأسهم بوش وتاتشر وشولتس واكبر رؤساء المؤسسات في العالم في الفندق الاسطوري الفيرمونت وذلك لمناقشة مستقبل البشرية مع العولمة).
وهذا يدفعنا الى ان نستنتج بأن العولمة لم تلغ نظرية المؤامرة بل ان سياق الأحداث يؤكد ان ظهور العولمة في هـذه المرحلة جاء كنتيجة لمؤامرة معقدة وعميقة ومتجذرة ضمن انحدارات تاريخيـة وايدلوجيـة فجاء نشـوء العولمـة (كظاهرة موضوعية - وذاتية - دولية واقليمية مواتية وليس كحتمية تاريخية كما يدعي او يتذرع اصحابها او المدافعون عنها، فهي ليست شكلا طارئا من اشكال التطور البشري وانما هي امتداد بالمعنى التاريخي والسياسي والمعرفي والاقتصادي لعملية التطور الرأسمالي).
وهذا التطور الرأسمالي كان ثمرة لعمليات دراسية وتطويرية تم انتاجها في دوائر الرأسمالية العالمية، ومع ان المصالح كانت هي الهدف الاستراتيجي من العولمة وظهورها التي تمثلت بنظام عالمي جديد تتحكم به قوى السوق وتوجهه المصالح الرأسمالية، ويدعو الى ازالة الحدود بين الدول والقضاء على هوية الشعوب لكن هذا الظهور كان لابد له من محرك ودافع وغطاء ايديولوجي لخدمة اهداف التطور الرأسمالي فتمت الاستعانة بالتاريخ الايدلوجي لكي توضع العلاقة مع الاخر ضمن مفهوم الصراع ثم الانتقال بها الى مفهوم الصدام وهذه هي آلية عمل نظرية صموئيل هنتكون اليهودي الامريكي في (صدام الحضارات) إذ يقول: (في الثامن عشر من ابريل عام 1994 تجمع الفا مواطن من سراييفو وهم يلوحون بعلمي المملكة العربية السعودية وتركيا وبتلويحهم بتلك الاعلام بدلا من اعلام الامم المتحدة اوحلف شمال الاطلسي فانهم في الحقيقة كانوا يعلنون عن توحدهم مع رفاقهم المسلمين). عليه ليس بالضرورة ان تكون هناك مؤامرة مركزية ولكن هناك التقاء مصالح تلتقي ظاهريا بالفرض كما وصف القرآن الكريم تحالف النفاق مع اليهود لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ )سورة الحشر/14, ولكي تكون الصورة اكثر وضوحا لابد من متابعة تطور علاقة الغرب بالاسلام عبر تاريخ طويل من الغموض والتعقيد والصراع.

Pages