كتاب "مقدمة في علم النفس"، تأليف :أ.م.د.نبيهه صالح السامراتي أ.م.د. عثمان علي أميمن، يستهدف هذا الكتاب مناقشة وتحديد وتحليل أسس ومفاهيم علم النفس بإسلوب علمي مبسط كمقدمة للقارئ أو الباحث أو الطالب المبتدئ .
You are here
قراءة كتاب مقدمة في علم النفس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الثاني
علم النفس: نشأته وتطوره ومفهومه وموضوعه وأهدافـــــه
نشأة وتطور علم النفس
حاولت البشرية منذ عصور موغلة في القدم تفسير السلوك الإنساني والتنبؤ به. وقد عرف الإنسان منذ القدم الأحلام التى ترمز الى نجاحه أو إخفاقه أثناء تفاعله مع الحياة . ولقد فتن الإغريق منذ آلاف السنين بفكرة تقسيم الوجود البشري الى جسم مادي وروح غير مادية . وظهرت في تاريخ البشرية الكثير من المهن التي بنيت على التنبؤ بسلوك الإنسان كالسحر والشعوذة والعرافة . ولقد لجأ الكثير من الناس الى أصحاب هذه المهن لأجل النصح والإرشاد .
يرفض علم النفس الحديث اليوم الاعتقاد بأن الكائن الحي تسكنه قوى لا يمكن البرهنة على وجودها . ولا يعتقد علم النفس بأن حياة الإنسان تتأثر بمواقع النجوم عند ولادته . وهو لا يرضى أيضاً بوصف الإنسان وفق الطريقة التي نظر بها الفلاسفة القدامى أليه رغم عظمتهم . لا يؤمن علم النفس بالحكم والأمثال الشعبية التي تصور الشخصية الإنسانية . يهتم علم النفس اليوم بدراسة السلوك البشري بنفس الطريقة التي يدرس بها الكيميائي نشاطات وحركة العناصر الكيميائية . تبني إذاً دراسة مواضيع علم النفس اليوم بشكل أساسي على التجربة المضبوطة وعلى الملاحظة الموضوعية والدقة . وعلى هذا النحو أصبح علم النفس يطبق الطريقة العلمية في دراسة سلوك الكائن الحي .
بذل الكثير من الفلاسفة والعلماء جهوداً مضنية حتى وصلوا بعلم النفس الى وضعه الحالي . فقد أسهم فلاسفة القرن السابع عشر والثامن عشر في تطور علم النفس من خلال خلق اتجاه جديد في دراسة عقل الإنسان وسبر أغواره ، فضلاً عن إسهامات علماء الفيزيولوجية في القرن التاسع عشر المتعلقة بالجملة العصبية والدماغ. بيد أن بداية علم النفس الحقيقية كعلمٍ مستقل عن الفلسفة والفيزيولوجية ترجع الى سنة 1879 ، عندما أنشأ العالم الألماني " فيلهيلم فونت " أول مختبر لعلم النفس في مدينة " ليبزج " الألمانية . وبفضل " فونت " وضعت أسس الدراسة النظامية للسلوك البشري ، وأصبحت دراسة الخبرة الواعية للفرد الاهتمام الرئيسي لعلم النفس .
عرف " فونت " في أمريكا بأنه الأدب الروحي لعلم النفس . واعتبر " وليم جيمس " علم النفس العلم الذي يدرس الحياة العقلية . ولقد استخدم علماء النفس الأوائل طريقة الاستبطان أو التأمل الذاتي لدراسة الحياة العقلية للفرد . حيث يطلب من الفرد تحليل عملياته العقلية بموضوعية . ولذلك اهتم علم النفس في ذلك الوقت بدراسة مواضيع مثل : المشاعر ، الرغبات ، الأفكار ، المحاكمات العقلية ،...إلخ.
هاجم الكثير من علماء النفس طريقة الاستبطان في دراسة الظاهرة النفسية، واعتبروا هذه الطريقة ضرباً من ضروب الطرق الفلسفية المعتمدة أساساً على التقرير الذاتي للفرد . وكانت النتيجة ظهور عالم هو " جون واطسون " الذي قاد لواء حركة جديدة في علم النفس عرفت بالحركة السلوكية . وقد افترضت هذه الحركة أن الحياة العقلية لا يمكن ملاحظتها مباشرة وقياسها ، ومن تم لا يمكن دراستها دراسة علمية . ولذلك نادى أصحاب هذه الحركة بضرورة دراسة السلوك الظاهري للإنسان . وقد رفض " واطسون " فكرة الإرادة الحرة وفكرة أنه بإمكان أن يتحكم الإنسان بمصيره ، وأكد على أن كل ما يفعله الإنسان مرتبط بخبراته الماضية ، واعتبر السلوك البشري استجابة لمثير أو منبه ما . واعتبر المثير حدثا بيئيا واعتبر الاستجابة حركة عضلية مرئية أو رد فعل قيزيولوجي يمكن ملاحظته وقياسه . وقرر " واطسون " أن عملية التفكير هي نوع من الحديث الصامت بين المرء ونفسه .
أدت الحركة السلوكية الى بزوغ حركة سلوكية جديدة عرفت بسيكولوجية المثير والاستجابة . وركز أصحاب هذه المدرسة على دراسة المثيرات التي تؤدي الى الاستجابات السلوكية وعلى دراسة عمليتي الثواب والعقاب اللتين تعملان على المحافظة على هذه الاستجابات وتقويتها وتعديلها من خلال تغيير أنماطهما . وقد تأثرت أبحاث " سكنر " بنتائج أبحاث " تورندايك " الذي درس الارتباطات والمثيرات .
والاستجابات وكيفية تدعيمها . وفي الوقت الذي ظهرت فيه المدرسة السلوكية في أمريكا ، ظهرت مدرسة نفسية أخرى في أوروبا هي المدرسة الجشطالتية .
وقد دعا رواد هذه المدرسة أمثال " كوفكا " و " كهلر " وغيرهم الى ضرورة الانتباه الى النمط الكلي في المشكلة موضوع البحث . ودعا زعماء هذه المدرسة عند دراسة أي موضوع نفسي سواء كان ذلك العمليات الادراكية البسيطة أو الشخصية الإنسانية الى ضرورة توجيه الانتباه الى النمط الكلي ، لأن الكل أكبر من مجرد مجموع أجزائه . ولذلك اعتبر رواد هذه المدرسة أن دراسة الأجزاء لا تعطينا تصوراً جيداً للمشكلة موضوع الدرس . ولا تتفق المدرسة الجشطالتية مع آراء " فونت " التي تدرس الإحساس والمشاعر ، ولا تتفق مع المدرسة السلوكية التي تفتت السلوك الى مجموعة من المثيرات والاستجابات . وقد أسهمت هذه المدرسة في بزوغ مدرسة جديدة في علم النفس ، هي المدرسة المعرفية .
وأخيراً لا ننسى دور " فرويد " الذي أسس مدرسة التحليل النفسي في تطوير علم النفس . ولعل أكبر إسهامات " فرويد " في علم النفس هو اكتشافه كيفية تأثير العمليات اللاشعورية على الشخصية الإنسانية .
لقد اعتبر " فرويد أن سلوك الإنسان الظاهري تقوده قوى خفية كامنة في منطقة اللاشعور . كما ركز " فرويد " على دور الدوافع الجنسية في توجيه السلوك الإنساني حتى لدى الأطفال الصغار .
ويرجع الفضل الى " فرويد " عندما نبه إلى أهمية خبرات الطفولة في تقرير شخصية وسلوك الراشد ، وإلى أهمية العوامل البيولوجية في تطور شخصية الإنسان .