نزول القرآن على سبعة أحرف يسر على الأمة الأمية تلاوة القرآن فراعى أحوالهم واختلاف لهجاتهم، فزادهم بالتيسير بشراً وحبوراً، واستقرت الأحرف من خلال معارضة جبريل القرآن مع النبي كل عام، فأضحت معروفة بالقراءات، ووقى الله سبحانه وتعالى الأمة الاختلاف قطميراً كان
قراءة كتاب إضاءات في التفريق بين الأحرف السبعة والسبع القراءات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الاختلاف في معنى الأحرف السبعة
لم يثبت عن النبي وأصحابه وتابعيهم في معنى الأحرف السبعة شيء، ولعل ذلك راجع إلى معرفتهم بالواقع ونفس الأمر لذلك المعنى، لأنهم لا يسكتون على إيهام، والأمر كان مشتهراً منتشراً، لا يحتاج إلى بيان وتوضيح، أما اللاحقون فاحتدم النزاع بينهم حول معنى الأحرف، وكثُر فيه القيل والقال، وإليك أشهر أقوالهم
القول الأول
قيل: إن هذا من المشكل الذي لا يعُرف معناه (22)، ذلك أن الإشكال حاصل في الحرف، وفي الرقم سبعة.
أما الحرف في اللغة فهو طرف الشيء؛ يقال: حرف السيف، وحرف الجبل، وحروف الهجاء: أطراف الكلمة، والحروف العوامل في النحو: أطراف الكلمات الرابطة بعضها ببعض(23)
والعرب تسمي الكلمة المنظومة حرفاً، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة، والحرف يقع على المقطوع من الحروف المعجمة(24)، والحرف بمعنى الجهة والطريقة، ومنه قول الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}(25).
وكذا العدد سبعة مُشكل؛ فقد يراد به الكثرة؛ إذ لفظ السبعة يطلق على الكثرة في الآحاد، كما تطلق السبعون في العشرات، والسبعمائة في المئين، ولا يراد المعين(26)، والقائلون بهذا يستنيرون لرأيهم بشاهد من القرآن، وهو قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ}(27)، فذكر سبعين مرة وأراد بها الكثرة المطلقة؛ أي : مهما تكثر لهم من الاستغفار فلن يغفر الله لهم.
ويجاب على هذا القول بأن الإشكال لا ينبغي أن يبقى مشكلاً إذا كان يتعلق بالقرآن العظيم، وقد وصفه الله تعالى بأنه المبين، ثم إنه مع التسليم بصحة ما قيل عن الأعداد سبعة وسبعين وسبعمائة فإنه يسُتبعد أن يكون المراد هنا الكثرة؛ لأن الرسول راجع جبريل مرة بعد مرة، وهو يعلل سبب مراجعته، وهو في كل مرة يزيد حرفاً، حتى وقف على هذا العدد حقيقة، فأصبح نصاً محدداً في السبعة لا يتعداها، ثم إن بالكثرة يعني جواز قراءة القرآن بغير ما نزل، وهذا غير مقبول.
القول الثاني
قيل: إن المراد سبعة أنواع من القرآن، كالأمر، والنهي، وغيرهما، وأصحاب هذا القول اختلفوا في تعيين السبعة، فقيل: هي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال، وقيل: هي أمر ونهي وحلال وحرام ومتشابه ومحكم وأمثال، وقيل غير ذلك، حتى تجاوز عدد أقوالهم العشرين.
وهؤلاء يستدلون بحديث: ( كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلّوا حلاله، وحرمّوا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (28).
ومبنى هذا القول على أن الحرف هو الجهة، وهذه جهات متعددة في القرآن، ورُدّ هذا القول بأمور، منها:
1. أنّ التوسعة التي طلبها النبي لم تقع في تحليل حلال، ولا في تغيير شيء من المعاني(29).
2. هذا الحديث المذكور لم يثبت عند أهل العلم، كما واضح من تخريجه.
3. محال أن يكون الحرف حراماً لا ما سواه، أو يكون حلالاً لا ما سواه؛ لأنه لا يجوز أن يقرأ القرآن على أنه حلال كله، أو حرم كله، أو أمثال كله(30).
4. لو كانت الأحرف كذلك لما أدى إلى الاختلاف بين عمر وهشام رضي الله عنهما، ولو اختلفا عليه لما أقرهما رسول الله .
5. يحتمل أن تكون الرواية تفسيراً للأبواب لا للأحرف(31).
6. لا معنى لتخصيص الأحرف بما ذكروا، وهو معارض لحديث عمر وهشام، فإنهما لم يختلفا في تفسير القرآن، ولا في أحكامه، وإنما اختلفا في قراءة حروفه.