تجلى زهير جبوري وهو يطير مع لقلقه المعجون بطيبة بكر، وعوالم كأنه يستقدمها من ألف ليلة وليلة، شاحذا قدرة الشاعر لديه على خلق عوالم ساحرة أخاذة، تجعلك تنهب مسارات النص نهبا وأنت تفتش عن اللقلق لتحس أمانك ودفؤك في ظل وجوده.
You are here
قراءة كتاب قلب اللقلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

قلب اللقلق
الصفحة رقم: 6
- شلونك جودت، اليوم نظيف ولابس بشت؟شنو عقلت؟
- منو كال انت وأمثالك عقال يا أجرب.
- حرس، طلع المحابيس للكنيف.
- تمام افندم .
رفعت خيوط الضوء جبة الظلام الذي انهار نسيجه الأسود بعد صعود جريء، لشمس تشرين من خلف البساتين الشرقية وهي تفرش خيوطها الذهبية لتكشف تفاصيل المدينة قبل أن تبدأ سباحتها فوق ألأمواج المتهادية لنهر دجلة والتي هيّأت للقوارب الصغيرة ذلك الانزلاق الهادئ للشباك البيضاء المشبعة بآمال تلبط في حضن نهار مبارك، حرّك اللقلق شفتيه وأصابعه، رفيف عظيم لطائر أبيض، كان يملأ المشهد وقتها،إلى الحد الذي جعله يشعر أنَّ وجهه المختبئ تحت اللحاف كان يتعرض لتيارات الهواء، التي كان جناحا ذلك الطائر يطردانها.
لم يعد بمقدور أحد أن يجرؤ على اقتراح فكرة النوم بعد تصاعد الفوضى التي وجدت في الأثير ناقلاً مخلصاً لتوزيعها على الجميع بعدالة كاملة، فزّ اللقلق مؤيدا بشعور خفيف يتجول في داخله، لنقل إنّه تعبير عن عدم الارتياح لبقايا رنين يتجول في رأسه اختلط بنباح كلاب وثغاء، صهيل خيول، نداءات عالية لا يمكن التكهن بما تحمله من معنى.. تكبيرات وأدعية وهديل، جمل كثيرة اشتبكت نغماتها، ثم تسلّقت السلّم الموسيقيّ برعونة دفعة واحدة، قد تبدو هذه الجمل متنافرة في انفرادها قبل أن تشتبك لتصير مقطعا كاملا غير أنّها في النهاية كانت تعزف نصّا يشبه النشيد الذي حفظته المدينة التي بدت وكأنها لم توجد على الكوكب إلا وكانت هذه النغمات ترافق وجودها الأول،الجملة ألأقوى في هذا النشيد هي دقات الساعة التي لم يتوقف عزفها الهادر يوما والذي تسللت ذبذباته شيئاً فشيئاً لكيان اللقلق فاختلطت مع دمه لتصير دون أن يشعر مكونا أصيلا من عناصر وجوده المادي والروحي، حتى إنَّه لم يعد بمقدوره تصوّر الوجود الفعليّ للعالم بدون هذه الأمواج الصوتية الهادرة، كان يتخيّل أحيانا أنّه لولا هذه الساعة ستضطرب الكاظمية كلّها، ألأسواق ستبقى مقفلة، المصلّون سوف تفوتهم فروضهم، حينها ومن الطبيعي أن تختفي النساء بعباءاتهن التي تحفظ أجسادهن المكتنزة،عند ذلك وبسبب اختفاء المتجوّلين في المدينة سيغتنم الغبار فرصته ويتطاير في الشوارع المهجورة دون أنْ تردع عواصفه البرك الصغيرة التي كانت تتكون أحيانا، لأسباب متعددة في وسط السكة، ما تبقى من الزائرين لن يجد في ساعات العماء هذه سوقاً لشراء احتياجاته، لن يأكل أحد منهم الكباب أيضاً، حيث يمكن القول إنّ الزيارة ستكون ناقصة، سوف تلتصق بتفاصيلها الخيبة بدون تذوق الكباب ألكاظمي، حتى العصافير سوف تفقد الرغبة بالطيران، وسينسى الحمام أجنحته باردة بين