قراءة كتاب قلب اللقلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قلب اللقلق

قلب اللقلق

تجلى زهير جبوري وهو يطير مع لقلقه المعجون بطيبة بكر، وعوالم كأنه يستقدمها من ألف ليلة وليلة، شاحذا قدرة الشاعر لديه على خلق عوالم ساحرة أخاذة، تجعلك تنهب مسارات النص نهبا وأنت تفتش عن اللقلق لتحس أمانك ودفؤك في ظل وجوده.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

فتح عينيه بصعوبة مستعينا بمحاولة طرد الشعور بعدم الرضا والذي تغذيه تلك الرغبة بساعة أخرى أو ساعتين من النوم، قال سيكون جسدي أكثر نشاطا كالمعتاد، عيناه الصغيرتان ما زالتا شبه منغلقتين، بآلية، عّبر عن تكرار فعل يوميّ، وضع كفه بكامل أصابعه الطويلة لاتّقاء ضوء النهار الذي تسلل من (رازونة) في أعلى غرفته الصغيرة المطلّة على العقد الضيق الملتوي المتفرع من جادة باب المراد، شم بقايا رائحة الرطوبة المنبعثة من الجدران الطينية المطلية (بالجص) والتي جفف الصيف دوائرها المتعفنة وقد بدأت تدفع بذلك التعفن مرة أخرى بفعل البرودة التي جلبها معه شهر تشرين، نظر إلى الأعلى، لم يهتم كثيرا لتلك الخيوط الناعمة المتشابكة والتي نسجتها العناكب في أعلى السقف الخشبي الذي تآكلت بعض جسوره السوداء حتى إنه يتخيل أحيانا أنَّ السقف سينهار في أي لحظة، رغم ذلك لم يفكّر بتغيير المكان، كان يقول "لا يتملكني ذلك الإحساس الذي تتوفّر فيه إمكانية أن أنشطب كوجود بهذه الطريقة الغبية" أزاح اللحاف الأزرق ثم عبر عن عدم إعجابه بتلك الرائحة المقرفة التي تشبع بها القطن، اعتدل في جلسته على حافة سريره الخيزراني منشغلا بمحاولة قمع عضوه المنتصب بجرّ رأسه إلى الأسفل، إنّه يكرر هذا الفعل دائما رغم معرفته بلا جدواه، ترك الأمر ثم ردد مقولته التي اعتاد على الجهر بها وكأنها تهديد يواصل تكرار نفسه منذ سنوات حتى فقد قوة كلماته التي لم تعد تعني شيئا، قال "إنّ الماء البارد هو شيء نافع في مثل هذه الحالات"، نهض بتصميم لتجاوز مرحلة النوم نهائيا، مدّ يده بآلية لدشداشته المعلقة على مسمار جانب السرير، إنها شيء لا يمكن القول عنه إنّه سيئ الملمس، على كل حال كان منسوجاً من الخام الأسمر الخشن، سمع حديث العمال المتوجهين لأعمالهم في السوق التي في الجنوب الشرقي للباب القبلاني أو لسوق الأسترابادي أو حتى للمحلات المنتشرة على طول جادة باب المراد تاركين خلفهم (يا فتاح يا رزاق) تصعد مع الفضاء الساكن ثم تنتشر مثل تعويذة تحملها الريح الباردة نوعا ما فتدفعها من خلال (الروازين) وفتحات الشبابيك في الطوابق العلوية المطلة على (الدربونة)، وضع (عرقجينه) ثم لفّ (يشماغه) على شكل (جراوية)، حرك قدميه لدفع (كالته) البيضاء المصنوعة من الخيوط القطنية ثم دسّهما في قدميه المتّسختين، نهض بتثاقل كأنه يتمرّن على المشي، رغم أنّه لم يكن يشعر بذلك النوع من الكسل الذي يتغذى من كراهية العمل، غير أنَّ قلة ساعات النوم تجعل منه مهروس العضلات، وقف للحظة كأن المرء عندما يحتاج لقرار مفاجئ ينبغي عليه، إيقاف كل مشاريعه الأخرى، فكّر أن يغير يشماغه، قال "إنّه من اللائق أن يكون نظيفا، بعض الخواتين يقفن على رأسي لشراء الأمشاط" بدأ عضوه مصمما على المواصلة قبل الاستسلام لانزلاق الماء على رأسه حيث يعلن بعدها انهياره هابطا إلى أسفل وداخلاً في ممرات يأسه دون أنْ يجد فرصته في توفّر التقدير اللازم لوقوفه الحاد كجملة عارية تنتظر من يلفظها،أحسّ بقطرة حزن تضرب قلبه وهو يتذكر (شكرية بنت حيدر النجار) ثم حاول بسرعة من يتّقي ضربة مفاجئة أن ينحرف إلى منطقة أخرى لتشتيت هذا الشعور الذي لا يناسب ما كان يسميه دائما وردة الحياة التي دائما تحتاج لأوقات البهجة التي تمنع بتلاتها من النعاس، ابتسم متوّجا قدرته الدائمة على مقاومة اللون الرماديّ الذي طالما يحاول التسلل لحياته، قال إن الأمر حدث منذ سنوات ثم إنّه لا ينبغي لي الاهتمام لحادثة تافهة،

Pages