You are here

قراءة كتاب الخواجا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخواجا

الخواجا

"الخواجا" هذه مجموعة من القصص والحكايا والطّرائف اللطيفة التقطتها عينا الكاتبة الشّابة فدى جريس من أفواه الكبار سنّاً من أهل قريتها الجليليّة الجميلة، وأعادت نسيجها بمغزلها العصريّ وهي تحمل القارئ على جناحي غمامة فلسطينيّة إلى سنوات خالية فيها طيبة الناس وس

تقييمك:
3.333335
Average: 3.3 (3 votes)
المؤلف:
دار النشر: مكتبة كل شيء
الصفحة رقم: 1

مقدمة

عزيزي القارئ،
تعود بعض هذه القصص إلى حقبة زمنية انقضت قبل نصف قرن أو أكثر، كانت خلالها قريتي، فسوطة، كسائر قرى الجليل، شمال فلسطين، تتكون من عدد قليل من البيوت ويقطنها بضع مئات من السكان، يعيشون حياتهم في الزراعة وتربية المواشي، متصلين اتصالاً وثيقاً بالطبيعة ودورة الحياة.
لا نكاد نتخيل تلك الحياة في عالمنا اليوم، فهي قاسية، متعبة، تتطلب ساعات طويلة من الكدح الجسدي لضمان العيش، وتأخذ من محيطها زاداً ومأوى، وتتسم بالبساطة الشديدة. لم يكن الماء والكهرباء قد وصلا إلى القرية، فكان الناس يقطعون مسافات طويلة سيراً على الأقدام أو مستخدمين الدواب لإحضار الماء من الينابيع، ويستخدمون ‘اللوكس’ بفتيلة الزيت للإنارة، ويخافون من الأفاعي والعقارب والحيوانات البرية المؤذية، ويهجعون بعد المغيب بقليل، إذ أن عليهم الاستيقاظ قبل بزوغ الشمس لمواصلة أعمالهم في الحقول قبيل قيظ النهار. كان قوتهم من مواشيهم والأرض المحيطة بهم، والثياب والأحذية تقتنى مرة أو مرتين كل عام، ولا وجود للمعلبات أو للأطعمة الجاهزة. أما الذي يمرض مرضاً شديداً، فعليه السفر إلى مدينة عكا حيث الطبيب، وذلك في الحافلة أو إحدى السيارات القليلة التي بدأت تصل القرية في أواخر الأربعينيات. وكثيراً ما كان الناس يهلكون إثر حمّى أو سقطة أو مرض، لعدم وجود التطعيم أو الدواء.
في هذه الظروف القاسية، نمت أجيال وترعرعت، غير متخيلة عصرنا هذا بثورة المعلومات، والإنترنت، والتنقل حول الكوكب في غضون ساعات، وعمل المكاتب، والرفاهية الجسدية التي لم يحلموا بها، وسلسلة أمراضنا المعاصرة الناجمة عن كل هذا. فقد توفي جدي عن عمر يناهز التسعين، لا يشكو من شيء سوى الشيخوخة. لم يكن قد تناول طعاماً مصنّعاً قط في حياته، وقد مشى بما يعادل عشر كيلومترات في اليوم على امتداد سبعين عاماً، سارحاً بمواشيه. إن حياتنا اليوم، لا بد أن تكون مذهلة وغير مفهومة لجيل آنذاك.
لكن نسيجاً مجتمعياً قوياً كان يربط الناس، فغريزة البقاء تستدعي الكفاح الجماعي والتعاون ونجدة الغير، وهذه القصص تنبع من الحياة اليومية البسيطة، الغنية بالتوافق والتكاتف والإنسانية. وهي سمات فقدنا الكثير منها، للأسف، منذ ذلك الحين، في زمننا هذا المرتكز على الفردية وسرعة الحياة.
طالما تساءلت عن سبب السحر الذي أشعر به، والشعور الحالم الذي ينتابني وأنا أنصت باستغراق إلى بعض هذه القصص من قريتي، ومن هذه القصص ما وجدت طريقها، بعد تعديل بسيط، إلى هذا الكتاب. ربما هو شعوري بالحنين لماض افتقدته، وأمنية صغيرة للهروب إلى أجواء تتسم بالبساطة والطيبة القروية الوادعة، في زمن كان الإنسان يقف فيه على أعتاب القرن العشرين، بقفزاته المذهلة.
أتمنى أن تنجح هذه القصص في نقل صورة صغيرة عن حياة أجدادنا، والمحافظة على ذكراها بين هذه السطور.
فدى جريس
كانون الثاني 2014

Pages