You are here

قراءة كتاب الخواجا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخواجا

الخواجا

"الخواجا" هذه مجموعة من القصص والحكايا والطّرائف اللطيفة التقطتها عينا الكاتبة الشّابة فدى جريس من أفواه الكبار سنّاً من أهل قريتها الجليليّة الجميلة، وأعادت نسيجها بمغزلها العصريّ وهي تحمل القارئ على جناحي غمامة فلسطينيّة إلى سنوات خالية فيها طيبة الناس وس

تقييمك:
3.333335
Average: 3.3 (3 votes)
المؤلف:
دار النشر: مكتبة كل شيء
الصفحة رقم: 6

حل مبتكر

استيقظت فجأة وأصوات مزعجة تقتحم المكان. فتحت عينيها بتعب وارتباك، تشعر بنعاس شديد وتود إكمال نومها، والضوء الخافت المتسلل من النافذة يشير إلى وقت مبكر جداً. لم تنهض الآن؟ اعتدلت في وضعيتها إلى الجانب الآخر وجذبت الغطاء إليها، ثم أغمضت عينيها للاستسلام إلى ما تبقى من نوم ثمين. الحمد لله... الزوج والأولاد لا يزالوا نياماً. لن يقلقوا راحتها.
‘كوكوكوكوكو...!’
الصوت ثانية. إنه الديك في بيت جارهم، أبي عصام. حاولت كريمة أن تتجاهل الصياح وتنام. ‘الله يتوب علينا من هالحارة المزعجة...’ فكرت بانزعاج، ثم غلبها النعاس.
‘كوكوكوكوكو... كوكوكوكوكوووووو!’
فتحت عينيها ثانية. ‘وبعدين؟’ انضم ديوك الحارة إلى الديك الأول وبدأوا جميعاً في سيمفونية الصباح. والنهار. وبعد الظهر. والليل. هذه الديوك لا تسكت. لقد تعلمت كريمة في صغرها أن الديك يصيح في الفجر. لكن هذه الطيور المحيطة ببيتها تنتمي إلى فصيلة أخرى - فصيلة تتسم بالجنون.
غيرت وضعيتها ثانية إلى الجانب الآخر، ناظرة بحنق إلى زوجها الذي كان يشخر بانتظام.
بدأ كلب الجيران في النباح، ثم حذت حذوه الكلاب الأخرى في الحارة، وأخيراً بدأ الحمار المربوط أمام بيت أبي عصام في النهيق وسط استمرار صياح الديوك، فيما بدا أنه مبارزة لتحقيق أعلى صوت.
أيقنت أن الأمر قد انتهى وأن لا جدوى من محاولة النوم، فدفعت الغطاء جانباً وجلست في فراشها بغضب وقهر. لماذا يتوجب عليها، هي الكادحة طول النهار، أن تعيش في إزعاج مستمر وأصوات تقلق راحتها وتمنعها من النوم في بيتها؟ أين تنام إذاً؟ في الشارع؟!
لم تكن كريمة قد استوعبت حياة القرية حتى بعد خمسة عشر عاماً قضتها فيها، فقد نشأت في حيفا وتعرفت إلى زوجها في أحد الأفراح، وتزوجا، ثم ذهبت معه للعيش في قريته البعيدة. حاولت كثيراً أن تقنعه بالانتقال إلى المدينة كي تعود إلى مسقط رأسها، لكنه كان مرتبطاً بقريته ولم يستطع التفكير في النزوح عنها. فابتلعت كريمة ضيقها عاماً بعد الآخر، ووجدت طريقة ما للعيش في البيئة الجديدة.
لطالما فكرت في حلول لهذه المشاكل التي تبدو تافهة لكنها تنغص عيشتها، فليس هناك قانون أو سلطة في القرية باستثناء المختار، ناهيك عن أن طرح الموضوع على مستوى الحارة أو القرية قد يعرّض كريمة لبذاءات وتعليقات ساخرة.
‘أففف...’ قامت بتثاقل وعبرت إلى المطبخ، ناظرة من الشباك إلى بيت الجيران وهي تعد القهوة. خمس دجاجات تهرول في الفناء والديك يعتلي حجراً قديماً وينفش ريشه، صائحاً دون توقف بصوت ثاقب. ركزت نظراتها عليه في غيظ. طبعاً، سيقومون بتربية كل شيء وليس من المستبعد أن ينقلوا مواشيهم من الحظيرة البعيدة أيضاً ويضعوها هنا، فليس هناك من رادع! المختار لا يريد التكلم معهم، حتى بعدما توجهت إليه، وباقي أفراد العائلة وسكان الحارة يشعرون بالحرج، ولا أحد يفهم، أساساً، سبب ضيق كريمة بهكذا موضوع.
بدأ أولادها يستيقظون والحركة تدب في البيت. أشفقت على الصغار وهم يجرون أنفسهم بتثاقل وأعينهم نصف مغمضة، والديك اللعين لا يزال واقفاً قبالتها يصيح بأعلى صوته. أما زوجها فاستمر في نومه هانئاً، وشخيره يُسمع من الداخل.
رأت جارها أبا عصام يخرج من بيته ويتمطى، وهو يقف في الفناء وسط مملكته الصغيرة. فتحت الباب وخرجت إليه على الفور. ‘صباح الخير، جارنا،’ قالت باقتضاب.

Pages