"جنان في ثوب البيلسان"، رواية عاطفية، تحكي قصة تشبه حياة الكثيرين من أبناء القرى اللبنانية؛ فيما قبل الحرب وبعدها؛ وخصوصاً، في كل عائلة؛ من تنازع للأولويات؛ ففي كلّ مرحلة من مراحل عمر الفرد، أمنيات يودّ تحقيقها لولا ممانعة الأهل بسبب من تطلعات أخرى؛ تكون ال
You are here
قراءة كتاب جنان في ثوب البيلسان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
طفولة كلّ من جنان وحسام
إنّها طفلة!..
بردٌ، ورياحٌ، وصقيع!.. وامرأة في حال من مخاض عسير!.. ليلٌ شديد السّواد؛ لا قَمَرَ فيه، ولا نجوم!.. بطيء الخطى؛ وطريقه، نحو الفجر، شائكٌ، وطويل!.. ما أصعب، وأضيق فسحات الأمل؛ التي تسبِقُ خروج المولود إلى الدّنيا!.. الأبُ قلق؛ ينتظر سماع صرخة طفله الموعود؛ ومن حوله النّسوة، يُحاولِن تهدئته بالقول المعهود: «خلقة كاملة؛ تساوي نعمة زائدة»!.. فهُنَّ يُدرِكن؛ بسبب من التّجارب، أنّ بشارة الطِّفلة، تقع كالصّاعقة على مسمع الأب!... فيتقطّب حاجباه، ويخرُج من غربة الجلوس؛ ويتّجه نحو المطبخ!... فتلحق به ابنة عمّته، وتعدّ له فنجاناً من الشّاي قائلة: «العِلمُ عند اللّه»! ولكنّ المغصَ يبدو سريعاً؛ وهذا يُنذِر باقتراب موعد الولادة!... فيهرع الوالد نحو غرفة زوجته؛ تاركاً فنجان الشّاي، على الطاولة!.. عَلاَ صُراخ الأمّ، واشتدّ الطّلقُ عليها!.. فجأة، صمتت! وانساب صوت رقيق؛ أتى صارخاً؛ وكأنّه مسلوخٌ من عالم؛ كان فيه مرتاحاً؛ وقد أُجبِرَ على النُّزول؛ فهبط إلى عالم آخر، فَصَرخ!... خرجت الجدّة (أمُّ الولّادة)، إلى حيث يجلس صهرها، وبشّرته بأنّها لم تَرَ، في حياتها أجمل من هذه الطفلة! فهي شبيهة أمّها؛ ولكن، لها نظرات والدها؛ وتشعُّ بذكائه!...
لا شيء يُعوِّض الأبّ، عن خيبة أمله! فالصّبيُّ الموعود لم يأتِ!.. هذا للوهلة الأولى، ولكن بعد مضيّ بعض الوقت؛ سوف يتعوّد هذا الأب طفلته! ويفتِّش في قلبه، عن اسم يكون لها مرافقاً بالسّعادة؛ ومتمنّياً لها أن تكون الأجمل والأكثر حظاً بين جميع الفتيات!...
هذا التوقّع، من قبل بعض الحاضرات من النّسوة، كان صحيحاً! فقد تقدّم الأب من زوجته، وهنّأها بالسّلامة وأخذ طفلته، وقبّلها وقال: «ما أحلاكِ يا جنان»!...
كبرت الطفلة، وبدأت تظهر عليها علامات النّباهة؛ فإن سمعت عن شيء؛ لم تستوعب معناه؛ سألت عنه أمّها، أو جدّتها، أو والدها! وكان كلّ واحد منهم يُجيبها بطريقته الخاصة؛ آملاً أن تُدرِك المعنى، على قدر استيعاب طفلة في سِنِّها؛ ولكن، في معظم الأحيان، كانت تُسبِّب، هذه الطّفلة الذّكية لهم، الإرباك؛ لا سيما عندما كانت تُفاجئهم بأسئلتها المحرجة والمتتالية!..
مشت ابنة الثلاث سنوات، مع أمِّها إلى البستان المجاور للمنزل؛ فوجدت حجارة كثيرة!... فاستغربت، وسألت أمّها:
ـ «من أين جاءت كلّ هذه الحجارة»!؟
فأجابت الأم:
ـ «من اللّه»!..
فظنّت الطفلة أنّ اللّه ضرب النّاس بالحجارة؛ كما يفعل أيّ إنسان، عندما يلتقط حجراً، ويضرب به كلباً ليبعده عنه! أو ليُخيفه، أو ليمنعه من أن يفعل شيئاً غير مُستحبٍّ لناظره!.
فقالت لأمّها:
ـ «ماذا فعل كلّ هؤلاء النّاس، لكي يرشقهم اللّه بكلّ هذه الحجارة؟!»...
فتعجبت الأمّ من جوابها، بل تلعثمت؛ ولم تستطع أن تستنبط فكرة أخرى، لِتُفسِّر لابنتها معنىً آخر، بتفسير مُغالِط؛ فغيَّرت الحديث؛ ثمّ أخذت ابنتها إلى أقرب دكّان، واشترت لها بعض الحلوى؛ فتلهَّت الصغيرة بالمشتريات!..
وهكذا خَلُصَت الأُمُّ من الإحراج في أجوبتها!.. مرّة أخرى، كانت جنان تشاهد مباراة في سباق الخيل؛ فلفت نظرها لباس الخيّالة! وكانت تتأمَّل نحافة جسم كلّ واحد منهم؛ وتنظر إلى أحصنتهم؛ وتُسجّل في ذاكرتها أشياء، لم تخطر على بال أحد من حولها؛ في ذلك الوقت؛ حتى تنبهت جدّتها لأسئلتها؛ حينما كانت تسير وإياها على الطريق، في عشية يوم من الأيام! حين التقيا شاباً نحيفاً جدّاً، يرتدي ثياباً تُشبه ما كان مألوفاً لنظر جنان، وهي تشاهد التلفزيون؛ من ثياب الخيّالة؛ فسألت جدّتها مُستغربة:
ـ «جدّتي، جدّتي! هذا الرجل يمشي بمفرده!
أين حصانه»؟!...
فضحكت الجدّة، ثمّ استدركت المعنَى لما كان يُشغِل بال حفيدتها؛ فقالت لها:
ـ «لقد انتهى مشواره، فذهب لينام»!...
كلّما كبرت جنان سنة، تفتّحت قريحتها عن نَهم الأسئلة! طفلة دأبها أن تعرف؛ وأن تلاحق الخبر، حتى تستوعب الحدث، وتفهَم!...
مرّة أصيب جدّها بمرض ثمّ توفّي! فبعد موت الجدّ كانت جنان تُكثِرُ من الأسئلة عن المعنى الحقيقيّ للموت؛ فسألت أمها:
ـ «أين ذهب جدّي»؟