You are here

قراءة كتاب حب في زمن الغفلة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حب في زمن الغفلة

حب في زمن الغفلة

رواية "حب في زمن الغفلة"؛ بصعوبةٍ ما بعدها تزدردُ الأحداث، الانتظارُ يلوكُ أعصابها، يدهسها...تودُّ تسمعُ صوتَه مجدداً يهاتفها بحرارةٍ، من يستعيدهُ من غيبوبته التي طعنت الجميع؟

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

(5)

وحيدةً تجلسُ في شقتها الصغيرة التي استأنفت بها حياتها الجديدة.معها صوتُ بشّار يحادثها عبر السكايب.
أمضت حوالى الساعة وهي تحدّثه، بلغت الساعة العاشرة مساءً، أخبار كثيرة لاتزال في جعبته، يكلّمها عن أدقّ التفاصيل، يحاول دائماً تسليتها حتى لا تحسّ بوطأة الغياب، منذ وصوله إلى كندا وهو يفعل، شأنه مذ كان صغيراً، يعود من المدرسة، ويروح يخبرها بكلّ ما صادفه خلال النهار من مغامرات صغيرة وأحاديث، وهي تلقمه الطعامَ بولَه، تقبّله على وجنتيه المحمّرتين، وأحياناً تقبّل يديه الصغيرتين، مفتونةً به كانت، وبأصابعه الرقيقة وبابتسامته ولثغته وكلّ ما فيه، وحدَه استطاع أن يغرسها بجوار صالح كلّ هذه السنوات.
«من حَي قردة بتخلّف وردة»، وهو كان وردتها الوحيدة في الحياة، ثمرة زواجها الفاشل الذي ربطها بصالح.
سافر إلى كندا منذ أكثر من سنة وشهر، الضربة الوحيدة المُحكَمة التي تمكّن صالح من تسديدها إلى قلبها، كلّ ضرباته كانت هباءً، هذه كانت مختلفة.
ليست شطارته طبعاً، أخوه ابراهيم المقيم هناك منذ سنوات بعيدة هو من زيّن له الأمر.يريد ابناً له على الجاهز بعد أن فشل في إنجاب الأولاد!! زيارته الأخيرة إلى لبنان كانت استنزافاً لما تبقّى من أعصابها.
انبهر به صالح كما يفعل دائماً، كلّ طارئ، كل جديد يدهشهُ، ويجعله يدور حوله كالكلب، يلتفّ على ذنبه، يفقد توازنه.
منذ داست رجله أرض البلاد أصرَّ أنه سيكون ضيفاً في بيتهما، لديهما متسع، لا مشكلة في ذلك، استقبلت الأمر بلا مبالاة بداية، كما عوّدت نفسها منذ زمن، لكنْ بما أنّ الأخ الكبير الذي يعود إلى لبنان بعد عشرين سنة من الغياب سيبقى مدة شهرٍ كامل على أراضيه، وعلى أرض منزلها تحديداً، فقد راح بعد يومين من وصوله يأخذ راحته بالكامل، فيتصرّف بمنتهى الحرية في مكانها كأنه في فندق، وصار يستقبل الضيوف الذين يأتون للتسليم عليه، وهو يرتدي الشورت القصير، غير عابئ بساقيه الملتويتين المشعّرتين واللتين ذكَّرَتاها بمجرد رؤيتهما بأصل أبي البشر كما رأى داروين.
ثمّ حلا له بعد ذلك التدخل بكل كبيرة أو صغيرة تُقال أمامه، كان بشّار في السنة الثانوية النهائية، في صف علوم الحياة.أحبّ صالح استشارته، والتأكيد على تفوق ولده الوحيد، رغم أنها هي أمه، مشيراً إليها، فما كان من ابراهيم إلّا أن اقترح أن يسافر بكرهما إلى كندا لدراسة الطب هناك:
-أقلّ كلفة، وأكثر إفادة، ومتعة السفر و...
-وهكذا نوفّر، ويبتعد عن هذا البلد الذي لا مستقبل فيه للمتعلمين...
علّق صالح مشيراً إلى نفسه طبعاً.
لم تُعر الأمر اهتماماً بدايةً، لكنّ حماس بشّار والتهاب رأس صالح حيال الموضوع أثارا حفيظتها، فراحت تعلنُ اعتراضها بصوت خافت بداية، بينها وبينه فقط، لكنه عاود طرح الموضوع أمام ابراهيم حول مائدة الطعام، مستفزّاً إيّاها، كأنه يريد الاستعانة به عليها.
انطلق أخوه يسفّه خوفها، ورغبتها الاحتفاظ بابنها إلى جوارها كدجاجة مذعورة، متهماً إياها بالأنانية المفرطة مثلها في ذلك مثل سائر الأمهات الشرقيات، لذلك لم أتزوج منهن، أضاف الرجل بصفاقة، الأمر الذي أبهج صالحاً، فراح يهزّ رأسه المرّة تلو الأخرى كأنه حرذون يتمتع بدفء الشمس، معقّباً أكثر من مرة:
-ألم أقل لك، ألم أخبرك؟ صدّقتني الآن؟
انصرف الأخ الكبير يشرح لها بأناة كيف أن الأباء والأمهات، في تلك البلاد التي سبقتنا بمئات السنين الضوئية، ويلتفت إليها هازّاً رأسه، أكثر فهماً واستيعاباً لطبيعة الأمور، وأنهم لا يتدخلون إطلاقاً في هذه المسائل الحساسة، كالعمل والاختصاص والعلاقات العاطفية وما إلى ذلك... يحدّثها كأنها غبية، وحين أجابته بحنق إنه شأن عائليّ محض، لا تحبّ له أن يتدخّل فيه.أجابها بصفاقةٍ مجدداً:
-صالح على حق، لقد أخبرني أنك أنانية تماماً، لست معك، دعيه يسافر وانسي نفسك قليلاً، كأنك لست متعلمة يا امرأة، يه ما بك ليلى؟
عندما أعادت فتح موضوع الاختصاص في الجامعة الأمريكية في بيروت بحيث يدرس بشار اختصاصه، ويبقى إلى جوارها، ضحك صالح ملء شدقيه، مادّاً أصابعه ذات الأظفار الطويلة تعبث بلحيته المستجدّة:
-ومن أين أوفّر لك كل هذه الأموال أيتها السيدة؟ تفضلي الحقي أباك في تربته، وطالبيه بتمويل رحلة الدراسة المكلفة هذه.
كانت تحفظ عن ظهر قلب خططه الحربية، سيتذرع بالأموال العسيرة، بقلة السيولة، بانعدام الشغل في العيادة حتّى توافق على ما يريد أو على ما يريد أخوه. ورغم أنّها في دخيلتها كانت لا ترى ضيراً في هذا السفر، إلّا أنها لم تكن تريد أن تقف موقف المنهزم أمامهما. لذلك قررت تأجيل البحث في الموضوع حتى يسافر ابراهيم، فيصبح التفاهم مع صالح أسهل بعد أن يعود مفرداً، ستخوض المعركة ضد واحد، لا ضد عشرة. باتت تتحاشاه طوال فترة وجود ذاك الأخير في المنزل.
كانت زيارات صالح إلى المنزل قد تناقصت كثيراً في الآونة الأخيرة التي سبقت عودة إبراهيم، قال إنه سوّى لنفسه إحدى غرف العيادة منامة، وبات يسهر فيها وأصحابه، وحين يتأخرون في السهر ينام هناك. وهو أمر أسعدها في جوهره إلى حدّ كبير على عكس ما كان يتوقع إذ اعتبر نفسه يُنزل بها عقاباً قاسياً وهو يهجرها. مع عودة إبراهيم تجدد حرصه على النوم في المنزل، وخلال النهار يروحان يستقبلان بعض الضيوف، أو يزوران بعض معارفهما في البلدة، وأحياناً يقصدان المدينة القريبة في تلك الناحية. تنصرف عند قدومهما إلى المطبخ متظاهرةً بالانشغال بأمور شتّى، تبقى هناك حتى يطلبا منها شيئاً فتلبي بحزم وصمت.

Pages