تحتوي مجموعة "ليل آخر" على واحدة وأربعين قصة، تنوعت ما بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، دارت معظم أجوائها ـ كما تشي عنواينها ـ ما بين العتمة والجوع والبكاء والغفوة والإغفاءة والدمعات والضجيج وسوء الفهم والخطى العارية والنداءات والدوائر والليالي والظلال
You are here
قراءة كتاب ليـل آخــر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
أحيانا نشعر أن آبار الذكريات قد فُتحتْ على اتساعها، وأن الكاتبة تستخرج كلماتها ومشاعرها ورؤاها من هذه الآبار، وأن البوح الإنساني والشجن الدافئ والصراخ الهامس، والهمس الصارخ يسيطر على عوالم بعض القصص، في حين تسيطر التكنولوجيا والحواسيب والعلاقات الإنسانية الباردة "غربة باردة تباغتها وهي تنام في فراش وبين جدران لم تعد تألفها" على عوالم قصص أخرى.
ولكن تظل قصة "ليل آخر" التي اختارت حنان أن تتخذها عنوانا للمجموعة كلها، تحمل ـ على قصرها ـ مشاعر القسوة من ابن ـ لا تسميه الكاتبة ـ لأمه ـ أيضا لم تسمها الكاتبة ـ التي تعاني من مرض أقعدها عن الوقوف والمشي، وعندما يطلب منها الابن أن توقع على معاملة أو ورقة، تظن أن هذه المعاملة هي معاملة استقدام خادمة تسندها في شيخوختها ومرضها، وتتذكر كم هي توسلت وبكت في سبيل جلب مثل هذه الخادمة التي تعينها على تحمل أوجاع الليل ووحدة المرض وعذابه، ولكن الابن القاسي في لحظة فارقة يخبرها أن تلك المعاملة هي "معاملة التنازل حتى ما نتغلب مع البنات!" كاشفا طمعه وحرصه الشديد قبل رحيل أمه أن تتنازل عن ممتلكات ما أو أموال ما، وتنجح الكاتبة في عدم الكشف عن مفردات تلك المعاملة تاركة للقارئ مساحة من التفكير والمشاركة، وتسلط كاميراتها على حال الأم التي جرَّت كلمات ابنها الجمرات عليها لتدخل في "ليل آخر" أعتقد أنه لا نهاية له، هو ليل الخيبة والتعاسة والصدمة التي جلبها الابن إلى جانب ليل المرض والتعب والإنهاك.
وهناك ليل آخر تحمله المجموعة القصصية عبر قصة "تلك الليلة"، ولأنها حالة خاصة فقد أسمت الكاتبة بطلتها "أحلام" التي تعاني من جو بارد يكوي العظام، ويجعل أطرافها ترتجف وفكها يصطك لا إراديا وتزداد ضربات قلبها. وينقلنا هذا الوصف أو الجو البارد إلى مشاعر دافئة وذكريات حميمة تحملها أحلام لأبيها، على العكس من الابن في القصة السابقة.
لقد أعجبني في تلك القصة براعة الكاتبة في تصوير الجو الخارجي شديد البرودة، ومزجه بالجو الداخلي أو النفسي أثناء استدعاء ذكرى الوالد الراحل فتشعر أحلام بالدفء الذي تفتقده خارجيا. ومع كل اشتداد للبرد تحضر صورة الأب وكأنها طوق النجاة من برودة العالم الخارجي بكل علاقاته وتشابكه غير المفهومة لطالبة تستعد لامتحان التوجيهي.
على هذا النحو الإنساني الكاشف تدور معظم قصص حنان بيروتي في هذه المجموعة القصصية التي تعد إضافة جديدة إلى نبض الأدب العربي المعاصر في رصده وكشفه ومواكبته لأحلام الإنسان العربي وآماله وإحباطاته وآلامه وهواجسه منذ مطلع الألفية الجديدة وحتى تاريخ كتابة آخر قصة في المجموعة، فهل آن لمثل هذا الليل أن ينجلي؟
______________
* -شاعر مصري يعمل حاليا في مجلة العربي الكويتية.