قراءة كتاب إيقاع العودة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إيقاع العودة

إيقاع العودة

رواية "إيقاع العودة"؛ سيطر عليّ إحساس غريب لم أعرف ماهيته، كثير من الوجع يلازمني، وقليل من الملل يحاصرني، وعيناي مسكونتان بالتعب، أشعر بخدر كثيف يتسرب داخل جسدي، سرحت مع أزيز الطائرات المسائية، همست في أذن الليل قائلة: «تعال يا ليل خليك معايا عايز أشكي ليك

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

كنت أستمع بعمق إلى همس الريح الحزينة، وهسيس الأشجار الحالمة، وأزيز الطائرات المحلقة في الفضاء الواسع، ثم شرعت رويداً رويداً في الإبحار:
أيتها السماء الصافية
أرسلي ضوء قمرك الناعم
لأغسل ملامح وجهي من التعب
أيتها الريح المسكونة بالسفر
اعزفي على أوتارك المقدسة
وأطربي آذان الأرض الخامدة
بأجمل ألحانك السرمدية
أيها النيل الخالد
أيتها البلاد البعيدة
إجمعي بقايا روحي
واحتوي جسدي النحيل
بين ذرات ترابك الدافئ.
************
ترقرقت عيناي بالدموع حتى بللت الأوراق بيدي بعد أن راحت تنساب بغزارة.. وأنا أقرأ هذه الأسطر للمرة الأولى، تنهمر الذكريات، وتتدفق مثل الفيضان الجارف..
أنبش في مخيلتي بعضاً من التفاصيل البعيدة، فتأتي الصور تباعاً طافحة بالذكريات والحنين والأسى.. هل تذكرين عندما كنتِ صغيرة، كنا نذهب معاً للجلوس قرب ضفة النهر.. كان يروقك ذلك المشهد بشدة.
كُنا نرسم معاً بالرمل أشكالاً مختلفة على الأرض ثم نهدمها ونعيد رسمها من جديد، نغسل وجوهنا بعد ذلك بمياة النهرالطاهرة والعذبة، فنشعر وكأننا كائنات نورانية لا تنتمي إلى هذا العالم من قريب أو من بعيد.
في المساء كنا نحدق إلى السماء ونتأمل النجوم الساطعة، ونقوم بمحاولات فاشلة لحصر عدد النجوم دون أن نصل إلى نتيجة.. يبهرنا القمر بضوئه الفضي الناعم الذي يملأ صفحات النهر.. أي سر تحمله في جوفك أيها النهر العظيم.. لانزال نتعلم منك دروب الصمت وأسرار الغوص داخل أعماقك السحيقة.. كان يبهرك منظر الغروب عند ضفاف النهر.
كنت أجلس كل يوم قرب رأسك أمسد خصل شعرك الطويلة، أسرد لك بعضاً من ذكرياتنا المشتركة البعيدة حين كنا نلعب حتى نصل إلى قمة التعب، ونطلق لأنفسنا العنان لفعل ما نشاء من لهو ومرح حتى الانتشاء....
كنا نتسامر في حضرة أشجار النخيل بظلالها المترعة بالتحدي والشموخ، بين النيل والنخيل والليل علاقة أزلية جذورها تمتد إلى آلاف السنين الضوئية.. الليل بهدوئه المدهش يجعلنا نسبح عبر الأزمنة، وننسج من خيالنا الخصب قصصاً وحكايات عادة ما تكون مرتجلة في لحظتها، تأتي من البعيد أصداء أذكار صوفية مصحوبة بنسمات الريح.. تتمايل أوراق الأشجار الخضراء بطرب ورشاقة كأنها غارقة في حالة شوق ووجد صوفي .
سألت نفسي: هل كتب لي يا شقيقتي أن أحضر لحظات قدومك ورحيلك من هذا العالم؟
أذكر عندما ذهبنا إلى النهر الأسبوع الماضي قبل دخولك المستشفى بيوم واحد.. كنت قد طلبتِ مني أن أتركك وحدك مدة نصف ساعة، وكأنك كنت تريدين أن تودعي ذلك النهر العظيم، وكتبت عند ذلك المساء في مفكرتك الزرقاء:
كنت جالسة هذا المساء على ضفاف النيل.. نفذ إلى أعماقي رائحة النهر وهدير الأمواج، غسلت روحي بهوائه النقي، وتوضأت بمياهه العذبة، واتكأت على وجعي.. تذكرت في تلك اللحظات مقولة البوذيين «إن الحياة نهر، وإننا نبحرعلى طوق نحو الهدف النهائي».

Pages