"الآباء اليسوعيون"؛ هذا كتاب خارج عن المألوف بموضوعه ومضمونه.
You are here
قراءة كتاب الآباء اليسوعيون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كانت الكنيسة الكاثوليكية واقعة في تلك الأزمنة تحت سيطرة البابوات المتاجرين بالمقدسات، والأولاد غير الشرعيين المتخاصمين، والعشيقات الشرهات، إضافة إلى كرادلة أطفال في عمر الـ 12 سنة. في مثل هذه الظروف وُجدت هذه المجموعة المُرسلة ربما من العناية الإلهية، التي أنشأت الرهبانية اليسوعية، محاولة إنقاذ الكنيسة الكاثوليكية من براثن الخطأة ودعاة الرذيلة، وربما كان هذا هو التحدي الأكبر5. شارلكان أو شارل الخامس الذي تولى عام 1519 رأس الأمبراطورية المقدسة (Saint Empire) كان المنافس الأهم للملك الفرنسي فرنسوا الأول، وخاض ضده ثلاث حروب لكنه لم يتمكن من القضاء على الحركة البروتستانتية. وانتهى شارلكان بتوقيع معاهدة السلام في أوكسبورغ عام 1555 ثم تخلى عن السلطة في عام 1556، حيث عاش في عزلة تامة في دير يوست (Yuste).
من جهتهم، لم يكن رفاق باريس العشرة، يعلمون بعد أن البعثة إلى القدس سوف تنتهي في روما، عندما اتفقوا على اللقاء بعد مرور سنة ونصف في البندقية تمهيداً للإبحار نحو الشرق. بين شهري نيسان وكانون الأول 1536 وأثناء إقامته في إسبانيا، انصرف أغناطيوس إلى التبشير والتعليم المسيحي في الوقت الذي توجه فيه رفاقه نحو مناطق الشامبانيا واللورين وسويسرا والتيرول في جولة إصلاحية، وذلك بين شهري تشرين الثاني 1536 وكانون الثاني 1537. وعند وصول دي لويولا إلى مدينة البندقية قبل رفاقه، التقى بعض الأصدقاء الإسبان وجند شاباً يدعى دييغو هوسيس، وأخذ يبشر ويساعد المرضى متابعاً دراسة عِلم اللاهوت عند الرهبان الدومينيكيين الذين استاؤوا منه إلى درجة أن ادعوا أن دمية تمثله، أحرقت في سلمنكة وباريس. في كانون الثاني 1537 لحق به فافر وكزافير ولينيث وغيرهم إلى البندقية قبل التوجه إلى روما من أجل الحصول على مباركة الحبر الأعظم قبل الإبحار إلى الأراضي المقدسة في فلسطين، ولكنه تبين لاحقاً أنّ سيطرة الأتراك على منطقة البحر الأبيض المتوسط الشرقية كما ذكرنا وصولاً إلى أبواب الأدرياتيك جعلت من «الحلم الفلسطيني سراباً».
إزاء ذلك تحول الرفاق العشرة إلى ممرضين في مستشفيات مدينة البندقية التي كانت تزدحم بالمرضى على شفير الموت خصوصاً المصابين بمرض الطاعون. تبعثروا لاحقاً في مدن إيطاليا الشمالية حيث توفي من الإرهاق والمرض آخر المجندين دييغو هوسيس. لقد شاخ أغناطيوس وسط آلام جسدية مبرحة متأتية عن قرحة معوية ألزمته الفراش وجعلته يعيش في سعادة الأبرار بين سيل من الدموع، من جرّاء الانتقادات التي تسبب بها سيمون رودريغز في البرتغال، والتجاوزات التي قام بها بوباديلا، وممانعة تمركز اليسوعيين في فرنسا، والصراعات مع الأمبراطور شارلكان وصولاً إلى الخلاف بين الكرسي الرسولي والرهبانية اليسوعية مع انتخاب البابا الجديد بولس الرابع، وهو الكاردينال كارافا العدو اللدود للإسبان.
هكذا شارفت حياة أغناطيوس على نهايتها من دون أن يسمح لأي كان بالتحديق فيه، وهي قاعدة ضمن النظام اليسوعي الصارم، يذكّر بها وكيل أسراره دا كمارا كلما حاول إطالة النظر والتدقيق في ملامح وجهه... وبدءاً من عام 1550 وأغناطيوس في وضع الاحتضار ولكنه في بداية عام 1556 استمر في الحياة في شكل عجائبي؛ وفي الثاني من شهر تموز تمّ نقله إلى مزرعة المعهد الروماني، ثم أعيد إلى مكان إقامته في روما في السابع والعشرين من الشهر نفسه. في 30 تموز طلب أغناطيوس من بولانكو إعلام الحبر الأعظم بدنو أجله، وفي الليل سمعه الأخ الممرض يتمتم «إلهي ... إلهي». في الصباح الباكر أسلم الروح من دون الحصول على «المشحة الأخيرة» تاركاً هذا العالم بطريقة عادية. دومينيك برتران10 أطلق على علم المجتمع البشري وكيفية حُكم الرجال اسم Sociodoxie وعلى أغناطيوس لقب المهندس الاجتماعي. وهكذا طغت على الأب الرئيس الأول ملامح السياسة، وهو الذي أنشأ مؤسسة عظيمة ونافذة على صعيد الكرة الأرضية. في 31 تموز 1556، طويت صفحة الفارس الذي تحول إلى ناسك، والناسك إلى حاج، والحاج إلى معلم أرسل تلامذته إلى جميع أنحاء المعمورة.